-->
 
مر عام على الحرب الصهيونية على قطاع غزة , حرب هى الأبشع والأكثر ضراوة وقوة وإرهابا منذ قيام دولة الكيان الصهيونى عام 1948 , إن مرور عام على هذا العدوان الغاشم يستلزم منا أن نقف وقفة نراجع فيها أنفسنا ونقيم فيها واقعنا , ونرى هل استفدنا من هذه الحرب ومن أحداثها , أم أنها مرت علينا مرور الكرام ولم نستطع أن نوظف أحداثها فى خلق دعم جديد للقضية الفلسطينية سواء على المستوى السياسى أو الإنسانى .
 
فى ذكرى الحرب الصهيونية على قطاع غزة نرى ما الذى طرأ على الساحة الدولية والعربية والفلسطينية بعد انتهاء هذه الحرب , ونرى هل كان الكيان الصهيونى أكثر استفادة من وقائع هذه الحرب على المستوى السياسى والدولى , أم أن هناك نتائج وتطورات على المستويين السياسى والدولى والحقوقى أيضا فى صالح الشعب الفلسطينى ؟!
 
لقد حاول العدو الصهيونى أن يحقق بالخديعة والمؤامرة مالم يستطع تحقيقه باثنين وعشرين يوما من العدوان المستمر , ففي مؤتمر شوم الشيخ الذى عقد لبحث موضوع إعادة إعمار قطاع غزة , ربط المؤتمر وجل أعضاؤه من حلفاء الكيان الصهيونى إيصال هذه الأموال المقدمة للإعمار بالسلطة الفلسطينية , فى محاولة للضغط على قوى المقاومة بالقبول بعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة والرضوخ لمطالب هذه الدول التى تتلخص فى شروط ما يسمى الرباعية الدولية , ولكن كانت المقاومة بفصائلها والتفاف الشعب حولها تدرك المغزى من هذه الخديع فرفضت هذا الأمر جملة وتفصيلا وعاد العدو يجر أذيال الخيبة مرة أخرى .
 
أما عن الشعب الفلسطينى وفصائل المقاومة فالواضح أنهم استفادوا من وقائع هذه الحرب خير استفادة , فبينما كانت الحرب لا تزال مشتعلة كانت وسائل الإعلام والإعلاميين الفلسطينيين والعرب والأحرار فى العالم كله يقومون بدورهم فى تسجيل وتوثيق جرائم العدو الصهيونى , وأخص بالذكر قناتى القدس والأقصى , وقناة الجزيرة القطرية , فهذه القنوات الثلاثة كانت تتابع الحرب وتنقل أخبارها لحظة بلحظة , وهذا لم يكن ليحدث لولا تعاون الشعب الفلسطينى وكذلك فصائل المقاومة مع وسائل الإعلام وإدراكهم لأهمية الإعلام فى توجيه الناس وخلق الأراء , فهذه الصور الحية التى تم تصويرها وبثها خلقت رأيا عاما عربيا ودوليا بأن الكيان الصهيونى ما هو إلا مجموعة من المجرمين القتلة , وهذا جعل الكثير من الأوروبيين يتعاطفون مع الشعب الفلسطينى , وهو الأمر الذى ظهرت نتائجه فى قوافل المساعدات التى توالت على القطاع المحاصر .
 
كما أن من النتائج والتطورات الدولية الإيجابية لأحداث هذه الحرب هو تقرير حولدستون , ورغم أن هذا التقرير لم نر له أية نتائج دولية ولم تتخذ بعد أية إجراءات عقابية ضد الكيان الصهيونى , وفى الغالب لن يكون له نتائج مهمة , إلا أنه سلط الضوء بشكل جزئى على جرائم الإحتلال الصهيونى بحق أهل غزة , وهو أمر لم يكن موجودا من قبل , إلا أنه لم يدن الإحتلال بالشكل الكافى , فى حين أنه أدان حركات المقاومة بألفاظ صريحة وقال بأنه السبب فى هذه الجرائم لأنهم قاتلوا بجوار المدنيين , إلا أنه سيجعل الكيان الصهيونى يفكر كثيرا قبل القيام بأية حماقة وارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين لأن كل الأعين حينئذ ستكون موجهة إلى ذلك العدو وما يقوم به من أفعال وجرائم , وهذا يعد مكسبا عظيما للقضية الفلسطينية , ولهذا حاول الكيان الصهيونى جاهدا وبكل السبل إلإجهاز على هذا التقرير ولكنه لم يستطع , كما صدرت عدة تقارير حقوقية غربية تتهم الكيان الصهيونى باستخدام الفوسفور الأبيض المحرم دوليا , وأشار بعضها إلى أن هذا الأمر سيكون سببا فى ولادة أطفال مشوهين بصورة كبيرة , وأن تربة قطاع غزة باتت مليئة بالكثير من السموم .
 
وبعد صدور تقرير جولدستون أصدرت محكمة بريطانية قرارا باعتقال وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة تسيبى ليفنى فور دخولها بريطانيا بتهمة ارتكابها جرائم حرب ضد الشعب الفلسطينى , بينما هناك محولات لإصدار قرارات مماثلة بحق قادة آخرين بنفس التهمة , وهو ما دفع قادة الإحتلال الصهيونى إلى تحذير كبار قادة الجيش من مغبة السفر إلى بعض الدول الأوروبية خشية الإعتقال .
 
وقد حاولت الحكومة البريطانية إرضاء الكيان الصهيونى بتغيير القانون البريطانى بحيث لا يمكن اعتقال مجرمى الحرب الصهاينة , لكن لم تتمكن الحكومة البريطانية من ذلك ويعد هذا الأمر من أهم التطورات التى حدثت على الساحة العالمية نتيجة العدوان على غزة , حيث أن هذا الأمر يجعل صورة الكيان الصهيونى فى أبشع حالاتها أمام دول العالم المعروفة بصداقتها للكيان الصهيونى , خاصة إذا صدر هذا الأمر من بريطانيا التى كانت سببا فى خلق هذا الكيان فى أرض فلسطين من خلال وعد بلفور عام 1917م .
 
وكان من أهم النتائج المترتبة على حرب غزة هو توتر وتدهور علاقات الكيان الصهيونى ببعض دول العالم المعروفة بصداقتها القوية مع الكيان الصهيونى , وليس أدل من ذلك من العلاقة المتوترة بين الكيان الصهيونى وتركيا التى وصلت إلى حد انسحاب رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان من منتدى دافوس الإقتصادى العام الماضى , وكانت آخر حلقات التدهور فى تلك العلاقة ما حدث قبل أيام من إهانة للسفير التركى فى تل أبيب ورد الفعل القوى من جانب تركيا وتهديدها بسحب السفير إذ لم يقدم اعتذار رسمى .
 
كل هذه الأمور تجعل الرأى العام الدولى غير متقبل لفكرة قيام حرب صهيونية على قطاع غزة فى المدى القريب , وأن ثمة ضغط كبير سيببه هذا الرأى العام على حكومات الدول الغربية مما يلقى بظلاله على الكيان الصهيونى , وأن الحرب القادمة ستكون الأعين مسلطة عليها بصورة مخيفة للكيان الصهيونى .
 
لم يكن الكيان الصهيونى يهتم كثيرا فى السابق برد فعل الشعوب الغربية , ولكن الأمر الآن يختلف , لأن هناك جرائم موثقة , وتقارير أممية مصدق عليها , والأهم من ذلك هناك قرارات اعتقال بحق قادة كبار فى الكيان الصهيونى , كل هذا يجبر الكيان الصهيونى على تفادى إغضاب الرأى العام الغربى حتى لا يجنى حصادا مرا .
 
* كاتب مصري.
 
"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"
 

مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق