-->

دروس مستفادة من الوضع الفلسطيني في الانتفاضة الأولى

 
في الثامن من ديسمبر 2009 يكون قد مر اثنان وعشرون عاما على الانتفاضة الفلسطينية الأولى المسماة ثورة المساجد التي انطلقت إثر قيام حافلة إسرائيلية بدهس مجموعة من العمال الفلسطينيين حيث قتل أربعة من هؤلاء العمال , وقد بدأت الاشتباكات بين الفلسطينيين والجيش الصهيوني أثناء تشييع جنازة الشهداء الأربعة .
 
في ذلك الوقت كانت الحركة الإسلامية في فلسطين على موعد مع مرحلة جديدة من الكفاح والنضال وكان الشيخ أحمد ياسين ورفاقه رحمهم الله جميعا قد قطعوا شوطا كبيرا في إعداد الحركة لهذه المرحلة وقد كان حادث الحافلة الصهيونية دافعا للحركة على إعلان ولادة ذلك المولود الجديد الذي قدر له أن يقود المقاومة الفلسطينية إلى يومنا هذا .
 
لقد اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى وليس لدى الفلسطينيين إلا الحجارة والسلاح الأبيض , لم يكن لديهم حينئذ بنادق ولا مسدسات , ولا صواريخ ولا متفجرات , ولا عبوات ناسفة , وتصور أن هذا الشعب الذي لا يملك شيئا يدافع به عن نفسه كان يقاتل جيشا مسلحا بأحدث الأسلحة الموجودة في الشرق والغرب , لو كان الأمر هنا يقاس بالقوة المادية فكان من المفترض أنه لا يوجد اليوم مقاومة فلسطينية ولا شعب فلسطيني , ولكن هناك مقاييس أخرى لا مجال للحديث عنها في هذا المقال .
 
هذا على المستوى العسكري أما على المستوى السياسي فلم يكن هناك ثمة هيئة سياسية جامعة للشعب الفلسطيني , كما أن منظمة التحرير الفلسطينية قد كانت في حالة يرثى لها - وظلت في تدهور مستمر حتى اليوم – فقد استشهد رجال من كبار قادة منظمة التحرير كانوا هم صمام أمان لهذه المنظمة من الانزلاق نحو الأطماع الشخصية والفئوية الضيقة وخلفهم فيها رجال لا تاريخ لهم ولا نضال , ولا سابقة ولا فضل فقادوا المنظمة إلى التنازل والتفريط وعندما اندلعت الانتفاضة كان رد تلك المنظمة ضعيفا وهزيلا جدا وتمثل في موقف حركة فتح الفصيل الأكبر في المنظمة التي أعلنت تأييدها للانتفاضة بعد أسابيع من انطلاقها .
 
وفى ذات الوقت الذي اندلعت فيه الانتفاضة الفلسطينية كان البعض ممن يسمون أنفسهم القيادة الفلسطينية يتفاوض سرا مع الكيان الصهيوني وهو ما تبلور فيما بعد في مؤتمر مدريد للسلام , وهذا يعنى أن هذه الفئة التي تخلت عن المقاومة وفضلت أحضان العدو الصهيوني على أحضان شعبها لم تكن يوما - كما يريد البعض أن يصور لنا – ممن حملوا السلاح وقاتلوا لأجل تحرير الأرض وطرد المحتل .
 
وأريد بهذا أن أؤكد أنه لا مبرر اليوم لمن يقول أن هؤلاء الذي فاوضوا العدو بينما كانت الانتفاضة في بدايتها , كانوا مقاومين ولكنهم رأوا أن لن يصلوا لشيء إذ هم ظلوا على هذا الطريق , لذا اختاروا طريق السلام – حسب زعمهم – وساروا فيه , بل أقول أن هؤلاء من البداية ما آمنوا بمشروع المقاومة وإن كانوا قد مارسوا بعض أشكال المقاومة فإن ذلك كان من أجل مصالح وأطماع شخصية .
 
وهذا أيضا يؤكد لنا أن مشروع المقاومة مستمر مهما تخلى عنه البعض سواء كان هذا البعض من القيادات العليا أو من الكوادر , وسواء قلوا أم كثروا , ففي النهاية هؤلاء لن يؤثروا في ميزان القوة لأنه لا مجال هنا للمقاييس المادية وإن كنا مطالبين بالعمل على إيجاد القوة المادية التي تمكننا من الإثخان في العدو , فهؤلاء الذين تركوا ميدان المقاومة في السابق لم يؤثروا على المقاومة بل استمرت المقاومة بفضل الله عز وجل , وكذلك المقاومة اليوم لن تتأثر إذا تخلى عنها البعض هنا وهناك .
 
ومن هذا أيضا على رجال المقاومة الأشاوس ألا يلقوا بالا لما يفعله من باعوا الأرض والوطن وعليهم أن يسيروا في نهجهم الذي انتهجوه وأدركوا أنه النهج الصحيح الذي لا بديل عنه ولا سبيل إلى تحرير الأرض وطرد المحتل ورفعة شأن الدين إلا به وهو طريق المقاومة المسلحة التي أذلت الكيان الصهيوني .
 
وعلى رجال المقاومة وكوادرها ألا يلتفتوا إلى دعوات التصالح مع هذه الفئة التي من شروطها أن يتخلى الشعب عن المقاومة , أو أن تقلص المقاومة أهدافها , أو يضعوا الشروط على أعمال المقاومة, أو يصرفوا المقاومة عن هدفها الحقيقي فبدلا من تحرير الأرض كاملة وطرد المحتل خارجها يقولون نقيم الدولة ونعيش في سلام , فعلى المقاومة أن تضع هذه الدعوات خلف ظهرها وتسير لا يصرفها عن هدفها شيء .
 
وعلى رجال المقاومة أيضا أن يدركوا أن الشعب الفلسطيني يميز جيدا بين من يقدم نفسه وماله وولده فداء للأرض والدين وبين من لا هم له إلا الكرسي ولهذا عندما وضع الشعب أمام الاختبار الحقيقي وأتيحت له الفرصة الكاملة للاختيار اختار ما يراه أنجع في مواجهة الكيان الصهيوني , وما حدث في حرب غزة الأخيرة وما بعدها من افتضاح أمر دعاة التسوية وزوال القناع الذي كانوا يتجملون به أمام شعبهم , وكذلك وقو الشعب الفلسطيني نفسه مواقف مشرفة أثناء الحرب وما بعدها فهو الذي التف حول المقاومة وهو الذي احتضن كوادرها وقيادتها , كل هذا يؤكد أن هناك الشعب الفلسطيني يدرك جيدا الفارق الشاسع بين هذين التيارين المتناقضين .
 
كل هذه الأمور التي ذكرتها لهي تبث الأمل في أن النصر لابد آت ولو تأخر , وأن المقاومة ثابتة قوية لا تهتز ولا تتزعزع لأنها ليست مجموعة من الأشخاص , بل هي فكر ومنهج وعقيدة وإيمان وثبات وعمل , على هذا فلا داعي لليأس , ولا داعي ولا مبرر لتلك الروح الخائرة التي نراها من البعض هنا وهناك , وإن المقاومة ورجالاتها الأفاضل بحاجة إلى أن نقف معها وندافع عنها وندعمها ولعل كلمة صدق تخرج من فم أحد العوام تكون أجدى من آلاف الخطب التي يلقيها البعض هناك وهناك , ولعل دعاء يدعوه رجل صالح يكون أشد على العدو من الصواريخ, ويكون أجدى للمقاومة وأنفع , والله يوفقنا وإياكم إلى كل خير .
 
* كاتب مصري.
 
"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"
 
Blogged with the Flock Browser
مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق