-->

المصالحة الفلسطينية ... مصالحة حقيقية أم ترحيل للأزمات

المصالحة الفلسطينية ... مصالحة حقيقية أم ترحيل للأزمات

 

مجدى داود

 

Mdaoud_88@hotmail.com

 

في الثالث من مايو الجارى وقعت الفصائل الفلسطينية المختلفة على وثيقة المصالحة ومن بينهما حركتا فتح وحماس، لتنتهي بشكل رسمي حالة الإنقسام التي عانى منها الفلسطينيون لمدة أربعة سنوات كاملة منذ أن قامت حماس بالإنقلاب الأبيض في يونيو من عام 2007، لتنهي حالة من الفوضى الأمنية والعبث بالقضية الفلسطينية التي قام بها بعض المحسوبين على الأجهزة الامنية في حركة فتح، وفي اليوم التالي أقيمت احتفالية فى القاهرة بهذه المصالحة.

 

لا يشك عاقل فى أهمية وحدة الصف الفلسطينى، ولا يشك عاقل في أن الانقسام الفلسطيني الذي استمر أربعة أعوام كاملة تسبب في ضعف الشعب الفلسطيني وتراجعت معه القضية الفلسطينية على المستوى العالمى بل والإقليمى أيضا في ظل هيمنة أمريكية وصهيونية على صناعة القرار في المنطقة والعالم كله، وقى ظل انحياز كامل من قبل المؤسسات والهيئات والمنظمات الدولية للكيان الصهيونى فى مخالفة واضحة صريحة فجة لكل الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية.

 

إن أربعة أعوام كاملة من الإنقسام الفلسطينى تسببت في تمزيق الشعب الفلسطينى، وفقدان الثقة تماما بين شقي هذا الوطن، وفتحت الباب على مصراعية لظهور كل انواع الاختلافات، وبرزت الكثير من المشاكل، وقتل الكثير من الشهداء وجرح الكثير من الجرحى وأسر الكثير وعذب الكثير، وقطعت الكثير من العلاقات الأسرية والشخصية، كثير من التغيرات طرأت على العلاقة بين مناصرى كلا الحركتين الرئيسيتين فى الشارع الفلسطينى، وكثير منها لا يزال لم يظهر بعد، الكثير من الدماء يتوعد أولياؤها بالقصاص لأصحابها، الكثير ممن ذاقوا الويلات على يد أجهزة عباس وفياض فى غزة قبل الحسم وفي الضفة الغربية لم تنتهى آلامهم ولا زالت جراحهم تنزف حتى اللحظة.

 

في وضع مثل هذا وحينما تريد الطراف المتصارعة أن تنهي هذا الإنقسام، فعليها أن تنظر بعين الجدية والاهتمام إلى النتائج المترتبة على هذا الإنقسام، وقبل ذلك عليها أن تنظر بشكل أكثر جدية واهتماما إلى أسباب وعوامل ظهور هذا الإنقسام، فلابد للنظر لكلا الأمرين ومعالجتهما معالجة حقيقية جذرية حتى نستطيع أن نقول أنه فعلا هناك مصالحة حقيقية شعبية وليست مصالحة رسمية ورقية لا تسمن ولا تغنى من جوع معرضة للنقض فى أى لحظة مستقبلية.

 

إن ثمة سؤالين هامين تم إغفالهما فى هذه المصالحة.

 

السؤال الأول: يتعلق بمصر التنسيق الأمني مع العدو الصهيونى الذي كانت ولا تزال السلطة حتى اليوم تمارسه –فلم يصدر عن السلطة أى بيان أو تصريح يفيد يوقف- وهو أحد أهم أسباب حدوث هذا الإنقسام في الشارع الفلسطينى، ليس فقط منذ الحسم العسكرى الذي قامت به حماس فى يونيو عام 2007 بل منذ توقيع اتفاقية أوسلو وقيام السلطة حتى طاردت المقاومة والمجاهدين وملأت بهم السجون والمعتقلات إرضاء للحكومة الصهيونية التى لم تقدم فى المقابل أي شئ يذكر.

 

لم يجيبنا أحد ولم يتحدث أحد عن مصير هذا التنسيق الأمنى، هل سيستمر؟!

 

وما مصير هذا المصالحة إذا استمر هذا التنسيق؟!

 

هل ستقبل حماس أن يتم اعتقال أبنائها وقادتها سواء فى الحركة أو جناحها العسكرى كتائب الشهيد عز الدين القسام ويتم إيداعهم السجون والمعتقلات ليذوقوا شتى أنواع العذاب وتنتزع منهم الإعترافات التى تتعلق بنشاطهم الجهادى ضد قوات الإحتلال الصهيونى؟!

 

هل ستقبل حماس ومن معها من فصائل المقاومة أن يتم هدم الإنفاق وإبلاغ العدو الصهيوني عنها بعد أن أمضوا شهورا عديدة وبعد أن بذلوا جهدا مضنيا في حفرها، .... أسئلة كثيرة تتعلق بهذا الأمر لم نجد لها حتى اليوم أية إجاية مقنعة أو حتى مرضية نوعا ما.

 

السؤال الثاني: يتعلق بالموقف تجاه سلاح المقاومة، ما هو موقف السلطة وحركة فتح من هذا السلاح؟! بل ما هو موقفهم من المقاومة المسلحة من حيث المبدأ؟! كلنا نعرف موقف محمود عباس من هذا السلاح وموقفه من المقاومة فالرجل يرى المقاومة إرهابا ويرى سلاح المقاومة سلاحا فى يد الإرهابيين والرجل يرفض بشكل قاطع وصريح ما يسميه عسكرة الإنتفاضة، والرجل منذ أن كان رئيسا للوزراء فى عهد الرئيس ياسر عرفات وهو يتخذ موقفا معاديا من سلاح المقاومة ولا ننسى أنه كان يطالب عرفات بوضع الأجهزة الأمنية تحت تصرفه حتى يستطيع جمع سلاح المقاومة ووقف عمليات المقاومة، وعندما لم يستطع منع المقاومة من تنفيذ عملياتها تقدم باستقالته.

 

وكما هو الحال بالنسبة للتنسيق الأمنى لم يتحدث المسؤولون المصريون وسطاء المصالحة ولا غيرهم عن موقف عباس وفتح من هذا السلاح؟! وهل سيتم جمع هذا السلاح على اعتبار أن السلاح الشرعى الوحيد هو الذى بيد الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة كما أكد محمود عباس ذلك فى أكثر من مناسبة بل وبدون مناسبة أيضا، هل سيتم التغاضى عن عمليات تهريب السلاح التى تقوم بها فصائل المقاومة فى قطاع غزة وعمليات تصنيع السلاح التى تقوم بها المقاومة فى الضفة الغربية أم أن أجهزة الأمن ستقوم بمصادرة هذه الأسلحة بحجة أنها أسلحة غير شرعية، هل سيتم التعرض للمجاهدين المقاومين أثناء تدريباتهم وتجهيزاتهم لعملياتهم المسلحة أم سيتم منعهم من ذلك واعتقالهم بحجة الخروج على القانون.

 

إن هاتان النقطتان لغمين على وشك الإنفجار فى أقرب لحظة، سينفجران بمجرد الإقتراب منهما وسينسفان هذه المصالحة بكل ما تبعها وما رفقها من نشوة وفرحة عمت الجميع، غير أن هناك قضايا أخرى لم يتم معالجتها وتشكل أيضا ألغاما قابلة للإنفجار، مثل كيفية وطريقة التعامل مع قادة الأجهزة الأمنية الذين تورطوا بشكل مباشر فى مقتل العديد من قادة المقاومة من أمثال محمد دحلان ورفاقه من شياطين الإنس الذين تتوعدهم بعض فصائل المقاومة فى قطاع غزة بالقتل بمجرد وصولهم للقطاع، ووغير ذلك من القضايا التى تتعلق بالدماء..... إلخ.

 

إذا كان الأمر كذلك، وإذا كانت هناك قضايا عالقة قد تنسف هذه المصالحة من الأساس فما الذى جعل حركة حماس توافق على هذه المصالحة؟!

 

إن حالة الحراك الشعبي الثورى الذي يشهدها العالم العربى اليوم قد ألقت بظلالها على حركة حماس وأحدثت نوعا من الضغوط حولها، وخاصة الحراك الثورى فى سوريا الشقيقة، فالنظام السورى يبدو أنه قد خير حماس بين أمرين لا ثالث لهما (إما معه وإما ضده) وهو بالتالى لم يترك أمامها أية فرصة للإمساك بالعصا من المنتصف، وفى ظل القطيعة بين حماس والأردن، والعلاقة المتوترة بينها وبين باقى الدول العربية تبقى قطر وطهران هما الملجأ المحتمل للقيادة السياسية لحركة حماس فى الخارج، فقطر بها قواعد عسكرية أمريكية وحماس تعرف جيدا أنه لا يستقيم ان يخرج من قطر خطاب مقاوم فى ظل وجود هذه القواعد، هذا بالإضافة إلى ضعف الأمن القطرى واستحالة التأكد من وجود تأمين كاف للقيادة السياسية للحركة فى قطر، أما طهران فحماس تدرك جيدا أن الشعوب العربية وبعد الثورة المصرية والتونسية باتت تنظر لإيران بقلق بالغ خاصة بعد محاولتها زعزعة الأمن فى البحرين وإثارة القلاقل من أجل إقامة دويلة شيعية هناك، ولذلك فهي لا تريد أن يقف موقف المنحاز إلى إيران ضد الشعب العربى.

 

ويبدو أن حماس أيضا أرادت تقديم هدية للقيادة المصرية الجديدة متمثلة فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة من أجل طمأنتهم وتأكيدا منها على أنها تنظر لمصر على أنها دولة كبيرة يجب أن لها دور فعال فى المنطقة كلها، ولتبرهن للجميع أنها ليست ضد المصالحة وكي تضع الطرف الآخر فى حرج إذا لم يقم بتنفيذ بنود المصالحة ومن أهمها إصلاح وإعادة هيكلة منظمة التحرير التي تأمل حماس أن تشارك من خلالها فى إدارة الملف السياسى للقضية الفسلطينية، ومحاولة منها أيضا لاجتذاب القيادة المصرية إلى جانبها وتفتح بذلك وسائل اتصال معها ومن ثم مع الدول العربية الأخرى وأولها الأردن وهى المقر الطبيعى والرئيسى لحركة حماس والتى أخرجت منه فى العام 1999 م.

 

إذن فحماس أرادت من هذه المصالحة أن تجد حلا للمأزق الذى باتت فيه بفعل الثورة السورية، وأردات إرسال رسائل طمأنة إلى مصر حكومة وشعبا، وأرادت أن تؤكد لشعبها من جديد أنها مستعدة لدفع أي ثمن من أجل المصالحة شريطة ألا يؤدى إلى التفريط في شيء من حقوقه، ولكنها قامت بترحيل الأزمات والمشاكل الأخرى إلى وقت آخر يكون فيه الوضع العربى فى حال أفضل من هذا، ولكن هل تستمر هذه المصالحة فى ظل الألغام الموجودة فى طريقها؟! ... هذا ما ستجيب عنه الأيام والشهور القادمة.

 

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"

 

 



--
نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فإن ابتغينا العزة فى غيره أذلنا الله
مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق