-->

معضلة حماس في الأزمة السورية

بقلم: مجدي داود

Mdaoud_88@hotmail.com

 

منذ أن بدأت الانتفاضة السورية والثورة الشعبية العظيمة، وتقف حركة المقاومة الإسلامية حماس ومعها حركة الجهاد الإسلامي وفصائل المقاومة التي لها مكاتب وممثلون بدمشق موقفا حرجا، إلا أن الإعلام كان يركز بشكل أساسي على حركة حماس باعتبارها الرقم الأصعب في الصراع الصهيوني والفلسطيني، وباعتبارها طرفا في الانقسام الفلسطيني.

حركة حماس وقوى المقاومة بدت في موقف صعب جدا، فلا هي تستطيع أن تقف موقفا حاسما من النظام السوري وتعلن أنها ضد هذه الانتهاكات والجرائم التي يتركبها بحق الشعب السوري، وضد استغلال اسم المقاومة لارتكاب هذه الجرائم، لأنها لم تجد بعد البديل المناسب لقياداتها وكوادرها المتواجدين في سوريا، فأين ستذهب هذه القيادات المطاردة؟! هل لها من ملاذ آمن؟! أسئلة كثيرة جدا متعلقة بقيادات حركة حماس، هذا علاوة على أن هناك آلاف الفلسطينيين في سوريا لا تريد الحركة أن يتحملوا ويدفعوا ثمن موقفها من جرائم النظام السوري.

الخيار الآخر الذي كان أمامها أن تعلن الحركة تأييدها للنظام السوري، وهو ما يعني أن تكتب قيادات الحركة بيدها شهادة وفاة الحركة وخروجها من دائرة الصراع الفلسطيني الصهيوني للأبد لتكون جزءا من النظام السوري والإيراني الذي يتلاعب بالشعوب ولا يعنيه سوي مصالحه الخاصة حتى وإن تحققت بإراقة دماء آلاف الأبرياء بغير حق، وهو الموقف الذي ما كان يتوقع أحد من الحركة أن تتخذه، ولم تتخذه فعلا، على الرغم من أن بعض الفصائل الفلسطينية وقعت على بيان تؤيد فيه النظام السوري، ونظمت مظاهرات في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين تأييدا لحكومة الأسد، إلا أن حماس رفضت التوقيع على البيان ورفضت المشاركة في التظاهرات.

استمرت الحملة القمعية التي يشنها النظام السوري، وبلغت جرائمه مدى غير مسبوق، وسقط الآلاف من القتلى بينهم نساء وأطفال وشيوخ وعجائز، وفقد وأسر وجرح مئات الآلاف، ولا يزال نظام الأسد يمارس جرائمه وينكرها في ذات الوقت، وهو ما وضع الحركة في حرج كبير، وازدادت عليها الضغوط من كل مكان، فالأسد صار يطالبها بأن تعلن تأييدها له، وأنصارها والجهات المؤيدة لها باتوا يطالبونها بأن تترك دمشق حتى لا يعود عليها ذلك بالخسران، وحتى تنزع عن الأسد أكذوبة دعم المقاومة.

دخلت الأزمة السورية منعطفا خطيرا مع إقرار الجامعة العربية عقوبات على النظام السوري، حيث بات واضحا أن الأنظمة العربية وإن كانت مواقفها لا تزال ضعيفة جدا مقارنة بحجم الكارثة إلا أنهم لم يعودوا يقبلون هذا الوضع الذي يجري في لأسباب كثيرة، وهذا الموقف الضعيف الذي اتخذته الجامعة زاد من صعوبة وحرج موقف حركات المقاومة الفلسطينية المتواجدة في دمشق، وكان لابد لها أن تبحث عن بديل وتخرج من دمشق.

حركة حماس كانت تعي هذا المأزق منذ بدابة الأزمة، ولعل إقدامها على التوقيع على وثيقة المصالحة الفلسطينية كانت محاولة منها للخروج من المأزق من خلال فتح علاقات جديدة مع القاهرة بعد سقوط نظام حسني مبارك، ثم عملت على تقوية العلاقة مع القاهرة من خلال صفقة تبادل الأسرى التي بات واضحا أن حماس رمت بكل ثقلها على مصر وأثنت كثيرا على الدور المصري في الصفقة واعتبرته شريكا وليس وسيطا، وهمشت من بقية الأدوار المساعدة بل لم تذكرها من الأساس، وهو ما كان له أثر إيجابي على العلاقة بين الطرفين.

كذلك سعت الحركة إلى فتح صفحة جديدة من العلاقة الأردن، تلك العلاقة التي انقطعت عندما تم إبعاد قيادات حماس من الأردن عام 1999 وعلى رأسهم القيادي البارز رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل الذي يحمل الجنسية الأردنية، فمنذ أشهر وهناك حديث عن زيارة مرتقبة يقوم بها خالد مشعل إلى الأردن، كان الأمر وقتها مجرد تقارير إعلامية، لكنه ما لبث أن صار حديثا رسميا من قبل حماس والحكومة الأردنية، حيث ستكون زيارة مشعل إلى الأردن بوساطة قطرية وسيرافقه ولي العهد القطري الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني.

ترافقت هذه التأكيدات الرسمية مع تصريحات رئيس الحكومة الأردنية الجديدة عون الخصاونة التي أكد فيها أن قرار إبعاد قيادات حماس من الأردن كان خطأ سياسيا كبيرا، وخاصة الذين يحملون الجنسية الأردنية منهم حيث أنه أيضا مخالفة دستورية، وهذه التصريحات تشير إلى نية الحكومة الأردنية فتح صفحة جديدة في العلاقة مع الحركة وإعادة فتح مكاتب الحركة في عمان، إلا أنه لم يتبين بعد مستوى التمثيل السياسي للحركة في الأردن.

في غضون ذلك سعت الحركة إلى تخفيض وجودها في سوريا بشكل سري غير ظاهر، ووفقا لتقارير إعلامية فإن المئات من كوادر الحركة قد عادوا إلى قطاع غزة في هدوء ودون أن يشعر أحد، حتى أن النظام السوري بدأ يراقب الحركة ليعرف تحركات الحركة وقياداتها وما تنوي فعله بعد أن رفضت تأييده والوقوف بجانبه، كما أوضحت تلك التقارير أن قادة الحركة يقومون بجولات مكوكية ويقضون أغلب الوقت في الطائرات بين قطر وتركيا وغيرها من الدول.

الحركة إذاً تسعى منذ شهور إلى الخروج من المأزق السوري، فعلى الرغم من أنها قد حددت لنفسها مسارا منذ انطلاقتها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد، إلا أن الدماء التي تسيل أكبر من هذا الموقف، خاصة أن هذا النظام السوري يستغل علاقته بحماس وغيرها من قوى المقاومة ليزعم ويروج أنه حامي حمى المقاومة وأن ما يحدث إنما هي مؤامرات أمريكية وصهيونية للقضاء على نهج المقاومة ولهذا فخروج قوى المقاومة من دمشق صار ضروريا وواجبا؛ لنزع هذه الحجة التي يتذرع بها النظام السوري ويرفعها ضد شعبه.

كما أن خروج حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية من سوريا الآن ونزع تلك الحجة عن النظام السوري سيصب في مصلحة الحركة وكذلك مصلحة الشعب الفلسطيني ككل فيما هو آت، فهذا النظام حتما سيسقط، ولن يستمر حتى لو ظل متماسكا عدة أشهر أخرى، وبالتالي فنزع الغطاء عنه من شأنه أن يؤدي إلى علاقة طيبة مع ثوار سوريا الذي سيحكمونها بعد سقوط هذا النظام.

وعلى الرغم هذه الفوائد والمكاسب المهمة جدا، وعلى الرغم من تحسن العلاقات بين القاهرة وعمان من ناحية وحركة حماس من ناحية أخرى، إلا أن الحركة ستواجه صعوبات جمة، فالحركة كان لديها مجالات استثمارية في سوريا تنفق منها، وكانت تستعين بسوريا وإيران في شراء السلاح الذي تستخدمه في مواصلة المقاومة ضد الكيان الصهيوني، وقطع علاقتها مع سوريا وإيران سيضيق على الحركة ماديا وعسكريا، وسيكون له آثار سلبية بالطبع، كما أن إيران أرسلت رسالة تهديد لخالد مشعل تحذره فيها من قطع الدعم المالي والعسكري إذا خرجت من سوريا، وهو ما يزيد من مأزق الحركة.

كما أنه لم يتم بعد معرفة حجم التمثيل السياسي للحركة في البلدان التي ستستضيفها، وما هي البلدان التي ستستضيف الصف الأول في قيادة الحركة وقدرة هذه البلدان على تحقيق الأمن اللازم لهذه القيادات، التي قد يستهدفها الاحتلال الصهيوني في أي وقت من الأوقات، مع عدم القيام بممارسة أي ضغط عليها باتجاه معين وهو الأمر الذي ترفضه الحركة، لأنه ليس أمام الحركة إلا قطر والأردن ومصر، وكلها دول لها علاقات جيدة مع الكيان الصهيوني، وهناك اتفاقيات ومصالح بين نظم الحكم فيها وبين هذا الكيان، ولعل هذه الأسباب مجتمعة هي التي أخرت مغادرة الحركة لدمشق.

ويبقى أمام الحركة خيار ثالث، ولكنه سيكون مكلفا وله آثار سلبية كثيرة على الحركة، وهو الاستمرار على النهج الحالي من البقاء على الحياد، فلا هي تؤيد النظام السوري ولا هي تتخذ منه موقفا عدائيا، وتضمن لنفسها بقاء في دمشق على أمل أن يستمر بعد سقوط النظام السوري، وفي نفس الوقت تبقي على علاقاتها مع حزب الله وإيران.

ولكن قيادة الحركة ربما تواجه احتجاجا داخليا كبيرا من قبل أنصارها وكوادرها الذين لا يروق لهم أن تضع قيادتها أياديها في أيدي نظام يقتل شعبه تحت أي مبرر، ولعل ما حدث قبيل الحسم العسكري الذي خاضته حماس ضد الأجهزة الأمنية في غزة من امتعاض الكثير من كوادر الحركة من سلبية القيادة تجاه انتهاكات أجهزة أمن السلطة لا يزال حاضرا أمام أعين قيادة الحركة.

وهذا الخيار قد يكون له تداعيات أخرى على التأييد الشعبي للحركة في سوريا وغيرها من الدول التي ترى أن النظام السوري يستغل علاقته بالحركة لترويج أنه حامي حمى المقاومة، كما أنه ليس من المستبعد أن يقوم النظام بتدبير حادث اغتيال لأي من قادة الحركة، ثم يستغله في ترويج أن سوريا مستهدفة وأن المتآمرين يسعون للتخلص من قادة المقاومة وأنهم استغلوا الحالة الأمنية لقتل أحدهم وما إلى ذلك.

وبالنظر في كل هذه الخيارات يبقى خيار الخروج من دمشق له فوائد كثيرة، فهو ينزع الغطاء عن النظام السوري، ويحمي الحركة والمقاومة من التورط بأي شكل من الأشكال في دماء الشعب السوري الشقيق، وكذلك حماية وتأمينا لعلاقة لم تنشأ بعد مع حكام سوريا الجدد، والتأكيد على مبادئ الحركة التي وضعتها لنفسها بألا تتدخل في أي شأن لداخلي وهو ما يعني احتفاظ الحركة بعلاقات جيدة مع كل شعوب المنطقة وهو ما يؤدي إلى وقوف هذه الشعوب بجانب الشعب الفلسطيني ومقاومته ضد العدوان والاحتلال الصهيوني.

 

------------------------------------

المقال منشور بموقع مفكرة الإسلام ويرجى ذكر المصدر عند النشر

 

مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق