-->

التصعيد الصهيوني في قطاع غزة.. التوقيت وردود الأفعال

التصعيد الصهيوني في قطاع غزة.. التوقيت وردود الأفعال

مجدي داود

Mdaoud_88@hotmail.com      

مفكرة الاسلام: لجأ الاحتلال الصهيوني إلى التصعيد في قطاع غزة، الذي بدأ باغتيال الشيخ زهير القيسي الأمين العام للجان المقاومة الشعبية في القطاع، في خطوة كانت متوقعة، وذلك بعدما أدرك الاحتلال أنه لا مجال الآن لتوجه ضربة عسكرية إلى إيران، فكان لابد من هذه العملية، لتحقيق عدة أهداف لدى الساسة الصهاينة، تبدأ بأهداف داخلية حيث يريد رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو التأكيد للصهاينة أنه الوحيد القادر على حمايتهم من صواريخ المقاومة، واصطياد واغتيال رموز العمل الجهادي في فلسطين، وذلك عبر عمليات سريعة خاطفة لا تكل كثيرا ولا تصاحبها ردود فعل غاضبة على المستوى العربي والدولي، وهي تكتيك جديد يتبعه الاحتلال الصهيوني منذ حرب غزة الأخيرة، حيث يقوم بتصفية القادة في عمليات خاطفة ثم تعود الأمور إلى التهدئة مرة أخرى.

الاحتلال الصهيوني يريد في ذلك الوقت أن يختبر ردود فعل التيار الإسلامي الذي فاز في الانتخابات المصرية، وذلك من خلال عمليات خاطفة سريعة، ليكوًن من خلال رد الفعل هذا، تصورا عن رد فعل التيار الإسلامي على عملية عسكرية واسعة النطاق في القطاع، يرجح الكثير من القادة الصهاينة أن تكون خلال العام الحالي، ويستعد لها جيش الاحتلال منذ انتهاء الحرب السابقة، بحيث يتم أخذ هذا التصور عن رد الفعل في الحسبان، عند التخطيط لهذه العملية، ويبدو أن العدو الصهيوني قد أدرك أن التيار الإسلامي يتأنى كثيرا ويتأخر في اتخاذ مواقف تخص السياسة الخارجية، ولهذا فإن القصف مستمر لليوم الثالث على التوالي في محاولة لمعرفة أقصى ما قد يصل إليه رد فعل التيار الإسلامي.

كما يحاول الاحتلال معرفة مدى قابلية حركة حماس للرد على الاستفزازت والجرائم التي يقوم بها والحد الأقصى الذي يصل إليه رد فعلها مع التطورات الجديدة التي طرأت على الحركة وانتقال قيادتها من دمشق إلى أكثر من عاصمة عربية، ومدى تأثير ذلك على الحركة واستجابتها للضغوط التي تمارسها تلك الدول الحليفة للكيان الصهيوني، ومن خلال رد فعل الحركة يستطيع الاحتلال بناء تصور عن مدى نجاح هذه الضغوط في السيطرة على مواقف الحركة في حال تنفيذ الاحتلال عملية عسكرية واسعة النطاق في القطاع، وهو ما يعني أن الاحتلال سيأخذ كل هذه الأمور في الحسبان عندما يتم وضع الخطة لهذه العملية ووضع المدة الزمنية التي تنتهي فيها العملية قبل أن يخرج الوضع عن السيطرة وتفشل أي ضغوط من جانب.

لا يمكن في هذه الظروف أن نتجاهل ما يحدث في سوريا، فمن غير المستبعد أن يكون هدف الاحتلال من هذه العمليات في هذا التوقيت هو جذب الأنظار إلى الأراضي الفلسطينية حتى يقل الضغط السياسي قليلا عن النظام السوري الذي حافظ على هدوء جبهة الجولان لنحو أربعة عقود كاملة، وبالتالي فإن مصلحة الاحتلال في وجود هذا النظام، خوفا من تشكل نظام سوري إسلامي بعد سقوط الأسد يقيم علاقات جيدة مع محيطه العربي والإسلامي ويشكل خطرا كبيرا على الكيان الصهيوني، وعلى أي حال فإن أي نظام سيأتي فلن يكون أفضل من نظام بشار في علاقته بالكيان الصهيوني، وهو ما يقلق هذا الكيان من سقوط بشار.

الأمر الأخير الذي ربما يكون قد ساهم في تعجيل هذا العدوان الصهيوني هو فشل نتنياهو في إقناع أوباما بتوجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية، حيث حذرت الولايات المتحدة الكيان الصهيوني من ضرب إيران بشكل أحادي، خوفا على مصالحها من رد الفعل الإيراني، وبعد اللقاء الأخير مع أوباما حاول نتنياهو إظهار أنه حصل على وعود الفترة الزمنية الممنوحة للعمل الدبلوماسي مع إيران إلى ثلاثة أشهر، ويبدو أن شعوره بخيبة الأمل دفعه إلى التصعيد في القطاع مع علمه بأن ردود فعل المقاومة ستكون باهتة إذا التزمت حماس بالتنديد والاستنكار والمناشدة ولن يكون لهذا العدوان ضرر كبير على الكيان الصهيوني.

ردود الفعل على هذا العدوان الصهيوني لم تكن على المستوى المطلوب، وهو ما أغرى الاحتلال للاستمرار في القصف لليوم الثالث على التوالي –أثناء كتابة هذا المقال- فالجناح الأهم في المقاومة الفلسطينية لم يتحرك حتى الآن وأعني كتائب الشهيد عز الدين القسام –وفق ما هو ظاهر إعلاميا على الأقل وهو ما يعضده قلة الإصابات الناتجة عن الصواريخ بما لا يتناسب مع إمكانيات الكتائب- كما أن إدارة الأزمة من جانب حكومة غزة وحركة حماس اتسم بالضعف الشديد، وبرز في المناشدات والنداءات، على الرغم من أن حركة حماس تدرك جيدا أن هذا لن يفيد ولن يردع العدو، ومن الخطأ ترك الاحتلال يمسك بأوراق اللعبة ويتحكم في قواعدها، يقصف متى يشاء ويوقف القصف لتعود التهدئة متى يشاء، ولو أن الاحتلال يريد جر الحركة لحرب طويلة فسيفعل من خلال القصف المستمر الذي سيدفعها رغما عنها للرد، وإن كانت مجرد عمليات اغتيال خاطفة، فإنه سيفكر جيدا قبل تكرارها وسيحسب حسابا لردود المقاومة.

إن الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه حركة حماس بصفة خاصة وحركات المقاومة بصفة عامة أنهم يتهاونون في مقتل القادة السياسيين أو العسكريين، وإن كانت المقاومة تريد أن تؤكد أن القادة ليسوا أفضل من الجنود وهذا صحيح، إلا أن اغتيال القادة يؤثر حتما في مسيرة المقاومة أكثر من الجنود، كما أن عدم إدراك العدو أن هناك ثمنا غاليا لاغتيال وتصفية القادة فلن يتورع عن اغتيال المزيد منهم، وهو بهذا يستريح من عمليات عسكرية واسعة النطاق، إذا أن اغتيال القادة كفيل بإحداث هزات وزلازل وبعض التغيرات في التكتيكات والخطط والحسابات لدى الفصائل، وهذا كله من مصلحة العدو، لهذا فلابد من ردود فعل على مستوى الفعل، تؤكد للعدو أن الأمر ليس هينا وأن هناك ثمن سيدفعه مقابل أي عملية اغتيال وسيكون الثمن مضاعفا مرات ومرات في حال اغتيال قادة بحجم الشهيد القيسي أو غيره.

إن المعركة في فلسطين اليوم تقوم بشكل أساسي على محاولة التأثير في موازين الردع، لأن ميزان القوة محسوم لصالح العدو، وبالتالي يتبقى لدى المقاومة التأثير في ميزان الردع، وإذا تخلت المقاومة وتخاذلت عن التأثير في هذا الميزان، فإن هذه الجولة من المعركة ستكون محسومة لصالح العدو، لهذا فعلى حركات المقاومة أن تمسك بزمام بخيوط اللعبة، فإذا كان العدو هو الذي يبدأ العدوان وقتما يشاء، فلابد ألا يكون هو من يقرر متى تكون التهدئة، ويكون هذا بيد المقاومة وحدها، فإن الاحتلال يبحث كيفية الدخول في حروب يحدد وقت انتهائها قبل بدايتها، وهو إن نجح في ذلك فسيكون قد نجح في هذه الحروب، وهو ما يجب إفشاله بشتى الطرق، ولهذا فإن المقاومة مطالبة بالرد على العدوان وفق خطة مشتركة بين الفصائل المختلفة، مع ضرورة تحكمها في وقت انتهاء هذه الجولة، وألا تجعل للضغوط على قرارها سبيلا.

أما التيارات الإسلامية المصرية، فهي لا تزال تراوح مكانها، ولم تتغير السياسة الخارجية المصرية بفوز التيارات الإسلامية الساحق في الانتخابات البرلمانية، وهذا يرجع أساسا لتخلي التيارات السياسية الإسلامية فيما يبدو عن التدخل في السياسة الخارجية المصرية، وتركها للمجلس العسكري وحده وللرئيس القادم من بعده والذي يبدو أنه لن يحيد عن هذا الخط الذي يسير فيه المجلس العسكري، وقد تبين هذا من خلال الموقف من سوريا حيث لم تتحرك إلا بعد ضغط شديد، وهذا الموقف المصري في حال استمراره فهو يعني أن مصر ستفقد ما تبقى لها من رصيد في المنطقة، خصوصا وأنها هي الضامن لهذه التهدئة وهي التي تسعى إلى تثبيتها مرة أخرى.

لهذا فإن التيارات الإسلامية المصرية إذا كان هناك اتفاقا ما يجعلها بعيدة عن السياسة الخارجية وفقا لما هو ظاهر الآن، فهي مطالبة على الأقل بضرورة اتخاذ نفس المواقف التي كانت تتخذها قبيل الثورة المصرية، وإلا فإن هذا الموقف السلبي جدا سيفسره الكيان الصهيوني على أن التيارات الإسلامية المصرية تخلت عن مبادئها وثوابتها بعد الدخول في لعبة السلطة ومسئولياتها، وهو الأمر الذي حاول دفع حركة حماس باتجاهه من قبل، أما إن لم يكن ثمة اتفاق وتوزيع أدوار، فإن التيارات الإسلامية مطالبة بدفع الحكومة لاتخاذ موقف قوي من الكيان الصهيوني وتيسير الأوضاع على سكان قطاع غزة، حيث لا معنى ولا مبرر إطلاقا لمنع الكهرباء عن القطاع في ظل هذا الهجوم الصهيوني، وفي ظل الظروف التي يعيشها أهلنا في غزة، وهذا أقل القليل.

 

كتب فجر الاثنين الموافق 12/3/2012

 

http://islammemo.cc/Tkarer/Tkareer/2012/03/12/145744.html

 

مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق