-->

سنة لبنان يدفعون ثمن الثورة على بشار

سنة لبنان يدفعون ثمن الثورة على بشار

مجدي داود

 

برق - خاص: شهد لبنان الأسبوع الماضي اشتباكات دموية بين أهل السنة والعلويين في طرابلس شمال البلاد، ولم تكد تتوقف هذه الاشتباكات، حتى تم إعدام أحد علماء أهل السنة بدم بارد في وضح النهار، على مرأى من الجميع، دون أن يرتكب أي ذنب أو جرم، وسريعا انتقلت الأحداث إلى العاصمة بيروت، فقامت الميليشيات التابعة لحزب الله بقطع الطرق الرئيسية وإشعال الإطارات، وإطلاق كثيف للنيران، فأهل السنة في لبنان يواجهون حربا ضروسا، إعلامية وسياسية وعسكرية، بين اتهامات بالتطرف والإرهاب وإيواء تنظيم القاعدة منذ اندلاع الثورة السورية العام الماضي، إلى اعتقال وقتل وإعدام لرموزهم، ولا تزال الأوضاع في لبنان متوترة للغاية، توشك أن تنفجر، في وقت تسود فيه الرغبة في الانتقام من أهل السنة لموقفهم الداعم والمؤيد للثورة السورية.

منذ أن اندلعت الثورة السورية، وبدأ السوريون يفرون من جحيم عصابات بشار الأسد، لم يكن أمامهم سوى ثلاث أماكن للفرار، الأردن التي تسئ معاملتهم، وتركيا التي احتضنت أعدادا كبيرة منهم، وكذلك لبنان، لكن سنة لبنان لم ينتهي دورهم عند مجرد استقبال اللاجئين وتقديم الدعم لهم، بل إنهم ربطوا مصيرهم ومستقبلهم في بلدهم بنجاح تلك الثورة وسقوط نظام الأسد، الذي عانوا منه ومن شركائه في لبنان الويلات، فسقوط ذلك النظام هو الأمل لسنة لبنان لأن يعيشوا كراما أحرار في بلادهم، ويتخلصوا من نفوذ وسيطرة وقهر حزب الله، ولهذا فقد قدموا كل ما يمكن من دعم لتلك الثورة، وأمدوا السوريين في الداخل بما يستطيعون من مواد إغاثة تعينهم على الصمود في وجه عصابات بشار، وهذا أمر لا يروق للنظام السوري ولا حلفائه في لبنان.

حزب الله وحلفاء النظام السوري اتخذوا موقفا معاديا للثورة السورية منذ اندلاعها، وأدركوا جيدا أن بقاء سيطرتهم ونفوذهم في لبنان مرتبط ببقاء ذلك النظام الأسدي، الذي هو حلقة الوصل بينهم وبين النظام الإيراني، وبالتالي فإن المشروع الإيراني الفارسي بأكمله بات في خطر أكيد في حال نجحت تلك الثورة، ولهذا قرروا جميعا إنهاء تلك الثورة مهما كلفهم الأمر، وليس يخفى على أحد ذلك الدعم الكبير والمتنوع الذي يقدمه حزب الله للنظام السوري لقمع الثورة وتثبيت أقدام نظام الأسد مرة أخرى، ودعمهم للنظام السوري لم يكن بإمداده فقط بما يريد، بل بمطاردة رموز المعارضة السورية في لبنان، والانتهاكات المستمرة من السفارة السورية في بيروت وتجاوزها لمهامها الدبلوماسية، وهو ما كشفه النواب السنة في البرلمان اللبناني.

بينما يفعل النظام السوري وحلفائه كل ما يمكنهم من أجل القضاء على الثورة، فإن صمود الشعب السوري يزداد، وتزداد المعارضة والحراك الثوري، ويتلقى النظام ضربات موجعة أكثر وأكثر، وبات الجيش الحر يسيطر على مناطق ليست بالصغيرة، وبات قوة فاعلة على الأرض لا يمكن تجاهلها، وقد قبل النظام السوري خطة عنان لكي يضيق الخناق على الجيش الحر فيما تعيد عصاباته ترتيب نفسها وتستعد لمواجهة كبيرة مع الجيش الحر، إلا أنه لم ينجح، فاستمرار التظاهرات وارتفاع الروح المعنوية للثوار أربك حساباته.

لم يكن أمام النظام السوري سوى أن يعمل على وقف الدعم الذي يحصل عليه الجيش الحر والثوار، وهو يأتي من طريقين اثنين، تركيا ولبنان، ولأنه لا يريد استفزاز تركيا ولا تصعيد التوتر معها بما سيعود سلبا عليه، فلم يكن أمامه سوى لبنان، التي يستطيع اتخاذها كورقة لتحقيق الكثير من أهدافه، وأول هذه الأهداف هو تشويه الثورة السورية من خلال الادعاء بأن عناصر تنظيم القاعدة يتمركزون في شمال لبنان حيث يتمركز أهل السنة، وأنهم ينتقلون منه إلى سوريا لتنفيذ عمليات تفجيرية ضد النظام السوري، وقد نفذ النظام السوري عدة تفجيرات خلال الأسابيع الماضية، وبادر باتهام القاعدة بالوقوف وراء تلك التفجيرات، وقد انساقت خلفه بعض الجهات الدولية وعلى رأسهم بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، وهو ما من شأنه أن يخفف الضغط الغربي على نظام الأسد تدريجيا إلى أن يجلب التعاطف الدولي معه، وبهذا يتحول النظام السوري إلى جزء من الحل بدلا من أن يكون جزءا من المشكلة.

أراد النظام السوري أيضا من إشعال الأوضاع في لبنان أن يرسل رسالة للعالم الغربي والدول العربية كذلك، أنه مستعد وقادر على إشعال المنطقة بأكملها من أجل تثبيت أقدامه في حكم سوريا، وأن الجيش اللبناني وحزب الله باتوا رهن إشارته متى شاء حركهما ومتي شاء أسكنهما، وهو ما يعني أن المصالح الغربية والعربية في لبنان باتت في خطر محقق إذا رغب النظام السوري في تهديدها، ومن هنا تبدأ المساومات بين الدول الغربية والأنظمة العربية مع النظام السوري، خاصة أن معظم الدول الغربية لها مصالح كبيرة جدا في لبنان، واستقرار لبنان أمر ضروري جدا بالنسبة لهم.

حزب الله وحلفاء بشار الأسد في لبنان الذين ربطوا نفوذهم ببقائه، شعروا بخطورة الأمر، وأن النظام السوري يتهاوى بالفعل، وأن عليهم أن يبذلوا جهودا أكبر من ذلك لمساعدته ودعمه حتى النهاية، فقرروا منع المساعدات التي تصل إلى الثوار السوريين من قبل أهل السنة في الشمال، وهذا لا يتم إلا من خلال إرهاب أهل السنة والضغط القوي عليهم، فكانت عملية اعتقال الشاب شادي المولوي واتهامه بالانتماء لتنظيم القاعدة، واندلاع اشتباكات بين أهل السنة والعلويين استمرت نحو ثلاثة أيام، بينما الجيش يتفرج، ثم عملية إعدام الشيخ عبد الواحد في وضح النهار من قبل ضابط مسيحي بالجيش اللبناني، الذي من المفترض فيه أنه طرف محايد بين جميع الأطراف والقوى السياسية في البلاد.

لقد نأى حزب الله بنفسه عن المشاركة الظاهرة بتلك الأحداث، حتى يستطيع التأثير والحشد الإعلامي ضد السنة ويجعلهم في صورة الخارج عن الدولة والقانون الرافضون الامتثال لأحكامه، لكنه كان المحرك الرئيسي للأحداث، حيث أنه استطاع على مدار السنوات السابقة ومنذ وجود الجيش السوري بلبنان، بسط نفوذه في الجيش اللبناني، من خلال العماد ميشيل عون وغيره من الجنرالات الشيعة والمسيحيين في الجيش المتحالفين معه سياسيا، وصار ولاء معظم الجيش اللبناني لحزب الله، فصار قوة ضاربة له، وهو ما يفسر الكثير من الأفعال السلبية التي قام بها الجيش اللبناني خلال الفترة الماضية منذ خروج الجيش السوري من لبنان في عام 2005.

أراد حزب الله من هذه الأحداث الدامية في لبنان أيضا أن يرسل رسالة إلى أهل السنة أنه وإن سقط النظام السوري، فإنه سيبقى قويا، وسيبقى محتفظا بسلاحه، وأنه يستطيع إشعال لبنان كلها في ساعة من نهار، وأن ما حدث في طرابلس وبيروت ليس إلا "بروفة" لما يمكن أن يحدث إذا اعتقد أهل السنة أن سقوط نظام الأسد فإن حزب الله سينهار وسيكون ضعيفا، ويؤكد لهم أيضا أن الجيش اللبناني طوع أوامره فهو يتحرك كيفما يشاء الحزب، يعتقل ويعدم من يشاء ويغض الطرف عن أمور في غاية الخطورة، أيضا بأوامر من حزب الله.

الأمور في لبنان وطرابلس بشكل خاص مرشحة للتصاعد، والحرب الأهلية تطل برأسها من جديد، فحزب الله ومن معه من حلفاء النظام السوري سيقاتلون حتى الرمق الأخير، لإيقاف الدعم السني لثوار سوريا، وأهل السنة يوقنون بأن دعم إخوانهم ونصرهم وإمدادهم بما يستطيعون هو فرض عليهم، كما أنه الأمل في التخلص من الاختطاف الإيراني للبنان، إلا أن أهل السنة ليس لديهم الإمكانيات الجبارة التي يمتلكها حزب الله، وما لديهم من أسلحة، لا تعدو كونها أسلحة حفيفة وليس قيادات ولا تنظيم، مقابل تنظيم حزب الله، وهو ما يجعل خياراتهم صعبة وأحلاها مر.

 

المقال منشور بموقع برق الإخباري

  http://barqnews.org/container.php?fun=artview&id=393

--
نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فإن ابتغينا العزة فى غيره أذلنا الله
مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق