-->


بقلم / أ. مجدى داود

نعيش اليوم واقعًا مختلفًا تمامًا عما كان يعيشه سلفنا الصالح - رضوان الله عليهم - اليوم قد علا صوت الباطل وانتشر، بعد أن انخفض صوت الحقِّ وانحسر، الباطل يطلُّ برأسه ويعلن عن نفسه، فلا حياء ولا خجل، وأهل الحق من الحق يخجلون، أهل الباطل إلى باطلهم يدعون، بينما أهل الحق عن الحق لاهون، أهل الباطل دخلوا كل بيت من بيوت الأمة - إلا ما رحم ربى - عبر الفضائيات والإنترنت والصحف والمجلات، بينما أهل الحق يحاصرون، حتى المساجد منها يخرجون.





فى ظل هذه الأوضاع الصعبة، يطلُّ علينا دعاة التغريب والحداثة والعصرنة، يطالبون بتحكيم العقل في الشرع، ويقولون: إن الزمن قد تغيَّر، لذا علينا أن نغير الدين لكي يتناسب مع العصر، لذا علينا أن نضرب باجتهادات وتفسيرات وأقوال السلف الصالح - رضوان الله عليهم - عُرْض الحائط، ونأخذ ديننا منهم، بل الأدهى من ذلك أن يخرج علينا سفهاؤهم ليسبُّوا علماء عظامًا أجلاء مثل البخاري - رحمه الله تعالى - وذلك لأنه يقف في وجههم حتى بعد موته بمئات السنين، نعم يقف في وجههم بمصنَّفه الرائع وصحيحه العظيم، الذي وصلت بهم الجرأة إلى الطعن فيه، من أجل نقض ثوابت الدين، وينكرون سنة الحبيب المصطفى - صلوات الله عليه - ويشككون في أحاديث صحيحي البخاري ومسلم، فيقولون: نحن رجال وهم رجال.



هذه الكلمة التي يستخدمونها كثيرًا لنقض ثوابت الدين الإسلامي، لا نجدهم يستخدمونها إطلاقًا لنقض خرافات النصرانية؛ من تأليهِ البشر وتثليث الإله، أو نجدهم يستخدمونها لنقض كتاب النصارى وهو مليء بالتناقضات والأعاجيب التي لا يقبلها عقل ولا منطق، هل يجرؤ أحد من هؤلاء أن ينتقد الكتاب الذي يسمونه مقدسًا، أو ينتقد أخطاءه الكثيرة الظاهرة للأعمى؟! هل يجرؤ أحد من هؤلاء أن يتحدث عن خرافات كتاب النصارى، كما يتحدثون عن سنة نبينا العظيم - صلى الله عليه وسلم؟!



الكثير منا وهو صغير سمع عن "شمشون الجبار"، ولكننا كنا - ولا زلنا - نعدُّ هذا من الخيال، ومن الأشياء التي من المحال حدوثها، ولكن العجب أنها موجودة في الكتاب المقدس، فهل يجرؤ أحد على نقدها وإنكارها؟! كلاَّ، فما هم إلا مرتزقة، جعلوا من الطعن في الإسلام طعامهم وشرابهم، وبه يأخذون راتبهم، وبه يسمع الناس عنهم، وبه يظهرون على الفضائيات وتفتح لهم الصحف.



لماذا إذن الإسلام دون غيره؟! سؤال قد يحير البعض، ولكن من يعلم حقيقة القوم لا يجد أية حيرة على الإطلاق، فالقوم إنما يريدون إبعادنا عن الإسلام، بأي حجة كانت، وبأي طريقة كانت؛ لذلك هم يعمدون إلى نقض ثوابت الدين، والطعن في علماء الأمة وفقهائها، واعتبارهم ظلاميين ورجعيين، والمقارنة بينهم وبين من عاصرهم من الفلاسفة أو غيرهم من الملحدين، كمن يقارن بين الإمام "ابن تيمية" - رحمه الله تعالى - وبين ابن رشد، يقول مراد وهبه: "ابن رشد" رجل مستنير، و"ابن تيمية" رجل ظلامي رجعي، في السابق انتصر الظلاميون، أما اليوم فنريد أن ينتصـر المسـتنيرون[1]، فهم يقارنون بين العلماء ومن عاصرهم، لأجل إقناع الناس بأن العلماء كانوا ضد العلم، وهذا غير صحيح، فلم يكن الإسلام يومًا ضد العلم، بل الإسلام دعوة للعلم والتفكر، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.



هؤلاء الذين يناطحون قمم علماء المسلمين بحجة أنهم أيضًا رجال كالعلماء، إنما هم أراذل القوم، فكيف لأحد من هؤلاء ربما لم يقرأ كتابًا واحدًا في التفسير، ولو حتى مختصرًا بسيطًا، أو ربما لم يقرأ الآية الكريمة إلا مرة واحدة، يتحدث فيها ويقول: إنما المقصود كذا وكذا؟! وكيف لواحد من هؤلاء لا يعرف عن أصول الفقه شيئًا، يقول: هذا حلال وهذا حرام؟! وكيف لواحد لا يعرف شيئًا عن السند والإسناد ولا عن الجرح والتعديل، ثم يقول: هذا حديث صحيح، وهذا مردود، وهذا موضوع؟!



أهذا معقول؟! من يقبل بهذا الخبل والجنون إلا من لا عقل عندهم ولا منطق ولا فكر، أين هو التخصص الذي ينادون به؟! هل التخصص مطلوب في كل شيء إلا الدين الاسلامي؟!



علماء السلف - رضوان الله عليهم - رجال حقًّا؛ لأن الواحد منهم كان يشكِّل موسوعة بمفرده في كافة فروع العلم الشرعي، وما كان يعلمه واحد فقط من علماء السلف - رضوان الله عليهم - ربما لا يعلمه عشرة من أكبر علماء المسلمين اليوم، أفبعد هذا يأتي أحد العلمانيين ليردَّ على هؤلاء العظام بما لا علم له به، ويقول: نحن رجال وهم رجال؟!



من قال: إن هؤلاء رجال؟ هؤلاء الذين يدَّعون العلم والفكر والتقدم ليسوا سوى مجموعة من المقلدين والمترجمين لأفكار فلاسفة أوروبا وملاحدتها، فلا أحد من هؤلاء الناعقين بالليبرالية أو العلمانية، أو شقيقاتهما ومشتقاتهما - لديه جديد ليقدمه، الشيء الوحيد الذي يقدمونه هو الطعن في هذا الدين العظيم، ونقض ثوابته؛ من أجل إرضاء أسيادهم، وقد قال الإمام "ابن تيمية" - رحمه الله تعالى - في شأن هؤلاء وأمثالهم، ممن دأبوا على التأويل الفاسد للنصوص: أما الجملة، فإنه من آمن بالله ورسوله إيمانًا تامًّا، وعلم مراد الرسول قطعًا، تيقَّن ثبوت ما أخبر به، وعلم أن ما عارض ذلك من الحجج، فهي حجج داحضة من جنس شبه السوفسطائية؛ كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الشورى: 16][2] فشتان شتان بين علماء الإسلام العظيم وأذناب الليبرالية القبيحة! فهؤلاء رجال وهم أذيال.

ـــــــــــــــ



[1] برنامج "اتكلم" على التليفزيون المصري.



[2] درء تعارض العقل والنقل، (1/ 21).



مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق