-->

تركيا حين تصنع من نفسها قوة فى المنطقة

http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=6351&Itemid=1

منذ أن فاز حزب العدالة والتنمية بالإنتخابات البرلمانية التركية فى عام 2002 وتولى عبدالله جول رئاسة الوزراء ثم تنازله عنها ليحل محله صديقه رجب طيب أردوغان , وتركيا تحاول جاهدة أن تصنع لنفسها مكانة فى منطقة الشرق الأوسط , وأن تصبح لاعبا رئيسيا فيه , وأن تصبح دولة قوية لها دور فعال وتأثير قوى مشاهد فى المنطقة , وقد ازدادت هذه الرغبة بعد فوز حزب العدالة والتنمية بالإنتخابات البرلمانية الأخيرة , وتولى عبدالله جول رئاسة الدولة التركية , فجول وأردوغان يريدان استحضار أمجاد الدولة العثمانية من جديد ولكن ليس فى شكل خلافة , ولكن فى شكل دولة قوية تقف مواقف جريئة واضحة فى خدمة الأمة الإسلامية .
 
فتركيا حزب العدالة والتنمية قد وضعت قدمها فى كثير من قضايا المنطقة , وأصبحت لاعبا لا يمكن تجاهله فى هذه القضايا , ومن أهمها القضية الفلسطينية والتى تعتبر الإهتمام التركى الأول فى المنطقة , وكذلك ملف ( السلام ) بين سوريا والكيان الصهيونى , بالإضافة من الملفين الإيرانى والعراقى .
 
فمن خلال الخلفية الإسلامية للرئيس التركى عبدالله جول ورئيس وزرائه ترتبط تركيا بعلاقات قوية مع حركة المقاومة الإسلامية حماس التى فازت فى انتخابات تشريعية نزيهة , وهناك توافق فى وجهات النظر بين تركيا وحماس خاصة فيما يتعلق بأهمية رفع الحصار المفروض على قطاع غزة وحركة حماس باعتبارها ممثلا شرعيا للشعب الفلسطينى ويجب التعامل معها من هذا المنطلق .
 
ومن خلال هذه الرؤية التركية لصعوبة الحياة فى ظل الحصار الإسرئيلى لقطاع غزة فإن تركيا قامت بمجموعة من الخطوات واتخذت مجموعة من القرارات التى أظهرت من خلالها وقوفها بجانب الشعب الفلسطينى , فعندما قامت الحرب الصهيونية على قطاع غزة قبل عام من الآن , قامت تركيا بانتقاد الكيان الصهيونى نقدا لاذعا ومهاجمته سياسيا , واتهمته بانتهاك حقوق الإنسان , وارتكاب جرائم بحق الشعب الفلسطينى فى القطاع , وقد توج هذا الموقف بانسحاب رئيس الوزراء التركى من مؤتمر دافوس الإقتصادى , حينما انتقد الحضور لتصفيقهم للرئيس الصهيونى شمعون بيريز وقال لهم ما معناه ( أتصفقون له وهو يقتل الأطفال ؟! ) ورفض الأسلوب الذى عامله به منسق المؤتمر حيث لم يعطه وقتا كافيا للرد .
 
ليس هذا فحسب بل إن تركيا تولى اهتماما كبيرا لقوافل المساعدات التى تذهب إلى قطاع غزة , وقد كان موقفها من قافلة شريان الحياة 3 حيث دعمتها وساندتها حتى تم إدخالها إلى قطاع غزة خير دليل على بروز تركيا كقوة مؤثرة فعليا فى القضية الفلسطينية , قد يعول عليها لاحقا فى خلق دعم سياسى ودبلوماسى لتلك القضية .
 
وكذلك فمن أهم القضايا التى تعتبر تركيا لاعبا أساسيا فيها هى ملف ( السلام ) بين سوريا والكيان الصهيونى حيث كانت تركيا ولا تزال هى الوسيط الوحيد بين الطرفين , ويوجد إصرار سورى على أن يبقى الملف بيد تركيا دون غيرها , وفى ظل حالة التوتر بين تركيا والكيان الصهيونى تعطل ملف الوساطة فى إشارة تركية أنها لن تفعل وساطتها فى ظل حالة الغطرسة الصهيونية وانتهاكها لكل القيم والقوانين والإتفاقيات , هذا فى ظل حالة من التقارب السياسى والإقتصادى بين سوريا وتركيا .
 
وعن الملف النووى الإيرانى فإن تركيا تؤكد بين فينة وأخرى على حق إيران فى امتلاك تكنولوجيا نووية للأغراض السلمية , فى حين أنها تشير وبوضوح إلى المقارنة بين الملف النووى الإيرانى والترسانة العسكرية الصهيونية التى يخشى الكثيرون من التحدث عنها وكان آخرها فى 12/1/2010.
 
أما عن علاقة تركيا مع الكيان الصهيونى , تلك العلاقة الشائكة , التى تختلف فيها المواقف السياسية التركية عن العسكرية , ففى حين هناك علاقات عسكرية وثيقة بين البلدين إلا أن السياسة التركية بدأت باتخاذ العديد من الخطوات الهامة لتقليص هذا التعاون من خلال مواقف سياسية جريئة وأهمها بالطبع الموقف التركى من القضية الفلسطينية ووقوفها الصريح المعلن مع الشعب الفلسطينى ودعوتها بل وتحركها لمساعدته وكسر الحصار المفروض عليه ووقف الجرائم التى يرتكبها الكيان الصهيونى بحقه .
 
إن الموقف التركى الأخير الذى وصف بالقوة تجاه المحاولة الصهيونية لإهانة السفير التركى بتل أبيب على خلفية مسلسل وادى الذئاب الذى يتعرض للجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطينى بالإضافة إلى المواقف السياسية التركية , ثم رضوخ الكيان الصهيونى وتقديمه اعتذار رسمى مكتوب من حكومته وعدم قبول أنقرة إعتذارا شفويا من نائب وزير الخارجية الصهيونى , يدل على أن تركيا صارت من القوة السياسية بمكانة لا يمكن للكيان الصهيونى إغفالها أو تجاوزها , وأنه بحاجة إلى العلاقات مع تركيا , فى حين أن هذه الإهانة لو كانت وجهت لطرف عربى لم يكن ليحدث شئ على الإطلاق بل إن الكيان الصهيونى ليقوم باغتيال بعض الجنود المصريين على الحدود بدم بارد دون أن يلقى أي رد فعل .
 
إن هذه الثقة التركية فى قدرتها على التعامل بحزم وقوة تجاه الإهانة الصهيونية إنما هو نابع من إيمانهم بأنهم قوة لا يستهان بها ولا يمكن تجاهلها , وأنها قادرة حقا على رد الإهانة وزيادة , بل إن تحديد الرئيس التركى عبدالله جول مدة 48 ساعة لتقديم الإعتذار أو يكون الرد التركى أشد مما يتخيله الصهاينة إنما يدل على أنها تملك من الإمكانات ما يمكنها من الرد بقوة وبسرعة دون خشية من أحد أو خوف من العواقب , وأن تركيا لن تقبل الإهانة من أى طرف كان حتى لو قطعت علاقتها مع هذا الطرف أو ذاك .
 
ونرى نجاح السياسة التركية فى فصل علاقتها مع الكيان الصهيونى عن علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية , فإذا تأثرت علاقة تركيا بالكيان الغاصب لا يعنى ذلك بالضرورة تأثر علاقتها مع الولايات المتحدة , على خلاف ما يردده الساسة العرب من أن توتر العلاقات مع ذلك الكيان اللقيط يعنى بالضرورة توترها مع الولايات المتحدة , ذلك لأنهم جعلوا العلاقة مع كل من الكيانين علاقة واحدة , وهذا من مساوئ وطوام السياسة الخارجية للدول العربية .
 
إن هذا الدور الذى تلعبه تركيا وهذه المكانة التى وصلت إليها لا يمكن فصلها عن الجذور الإسلامية لحزب العدالة والتنمية , فتركيا تشعر أنه يمكن لها أن تقوم بدور هام فى المنطقة ولكن ليس ككونها دولة الخلافة ولكن كونها دولة قوية لها وجود حقيقى ومكانة لا يمكن تجاهلها , ويعتبر توجه تركيا نحو العمق العربى والإسلامى خير استغلال لموقعها الجغرافى والسياسى , فهى تقع على أطراف آسيا وأوروبا ولها علاقات مع الدول العربية والإسلامية والأسيوية والأوروبية فلما لا تستغل كل هذه الظروف استغلالا حسنا ؟!.
 
كما لا يمكن فصل هذه الرغبة التركية فى أن تصبح دولة مؤثرة إقليميا ودوليا , عن رغبتها فى الإنضمام للإتحاد الأوروبى , فهى بهذه المكانة والقوة ترسل رسالة إلى الإتحاد الأوروبى مفادها أن دول الإتحاد الأوروبى ستستفيد من إنضمام تركيا للإتحاد الإوروبى مثلما ستستفيد هى من الإنضمام له, وبهذا تكون العلاقة عبارة عن مصالح مشتركة وليس منا ولا إحسانا من دول الإتحاد الأوروبى على تركيا , وهذا من شأنه التيسير على تركيا فى معركتها المؤجلة للإنضمام للإتحاد الأوروبى .
 
* كاتب مصري إسلامي.
 
"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"
 

مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق