-->

في أحداث القدس مواقف ورسائل عدة

 فى أحداث القدس مواقف ورسائل عدة
مجدى داود
 نشر بموقع الألوكه http://www.alukah.net/Culture/0/19664/

منذ شهور وقد حدَّد اليهود يوم السَّادس عشر من مارِس يومًا عالميًّا للشُّروع في بناء هيكل سليمان المزْعوم في مدينة القدس، والذي يقتضي بناؤه حتمًا - حسب المعتَقَد الصهْيوني - هدْم المسجد الأقصى، وإزالة أثره من الوجود، وحسب المعتقد الصهْيوني أيضًا، فإنَّ بناء ما يسمَّى بكنيس الخراب - جعلَه الله خرابًا - هو مقدّمة بناء هذا الهيْكل، وقد تمَّ افتِتاح هذا الكنيس عصر الاثنين الخامس عشر من مارس.

 

إنَّ اليهود حينما أعلنوا عن هذا الحدث الجلَل الخطير، وحدَّدوا له موعدًا، لَم يكُن ذلك مجرَّد صدفة أو خبر تمَّ تسْريبه دون دراسة، ودون أن يحقِّقوا من ورائه هدفًا أو فائدة, كلاَّ بل هُم أعْلنوا ذلك الخبر لغرَض في أنفُسهم، وهدَف أظنُّهم قد حقَّقوه جزئيًّا, هذا الهدف هو جسُّ نبْض الأمَّة الإسلاميَّة، ومعرفة هل سيَكون هناك ردٌّ فعليٌّ حقيقيٌّ حينما سيأتي الوقت الفعلي لهدْم المسجد الأقصى، أم أنَّ أحدًا لن يحرِّك ساكنا؟ ينظرون هل سيتحرَّك أحدٌ اليوم؟ هل سيتحرَّك العُلماء ويخرجون عن صمْتِهم؟ هل سيتحرَّك السَّاسة والحكَّام ويتَّخذون مواقف شديدة تِجاه الكيان الصهْيوني؟ هل ستخرج الشُّعوب إلى الشَّوارع؟ هل سيشْتعل الغضب في كلِّ البِلاد الإسلاميَّة؟ أم أنَّ الأمور ستسير كما يريد بنو صهيون؟

 

اليهود اليوم ينظرون ويُراقِبون الوضع في كلِّ البلاد ليعرفوا ردَّ الفِعْل، وللأسَف الشَّديد لم نَرَ لأحدٍ أيَّ ردِّ فعل، لم نرَ عالمًا واحدًا قد خرج عن صمْتِه ودعا الشُّعوب إلى التحرُّك، ودعا الحكَّام إلى طرد السُّفراء الصَّهاينة وحثّهم على اتّخاذ موقفٍ ما - ولو صوريًّا - تجاه الكيان الصهيوني.

 

إذا كان العلماء ساكتين صامتين، فماذا نتوقَّع من الشعوب؟ هل نتوقَّع منهم أن يُفيقوا من غفلتهم؟ هل نتوقَّع من الشباب الَّذي خدعتْه مظاهر الحياة أن يتحدَّث عن الأقصى أو يذْكره أو يُعيره أيَّ اهتمام؟ إذا كان العلماء يعتبرون الأقصى أمرًا فلسطينيًّا داخليًّا، فماذا سيكون موقف الشَّباب منه؟! بالتَّأكيد سيعتبرونه كذلك! لكن مع هذا وجدْنا شباب الجامِعات المصريَّة - على سبيل المثال - ينتفِضون غضبًا لِما يحدُث للأقْصى, فالشَّباب قد تحرَّكوا بينما العلماء لا يزالون في غفلة، يا للعجب!

 

هذا خارج فلسطين، أمَّا داخلها فعلى المستوى الرَّسمي لا جديد, السُّلطة الفلسطينيَّة بقيادة محمود عباس المنتهية ولايتُه لم تتحرَّك، ولن تتحرَّك؛ لأنَّها باختصار شديد لا يَعنيها الأقصى أو غيره، وكذلك حركة فتح قد باعتْ قضيَّتها نهائيًّا وبلا رجعة منذ سلَّمتْ قيادتَها إلى ذلك الرَّجُل ومَن حولَه من قادة التَّنسيق الأمني، والخيانة التي يتفاخرون بها في كلِّ محفل، وفي ذات الوقت قاموا على مدار الأعْوام الماضية بتكْبيل يد المقاومة، وتقْيِيدها وسحْب سلاحها، وبالتَّالي منْعها من الدِّفاع عن الشَّعب الفلسطيني ومقدَّساته.

 

بل وفي اليوم المقرَّر للشُّروع في بدْء هيْكل سليمان المزْعوم، كان هناك استِنْفار أمني كبير في الضفة الغربيَّة لحماية جنود الاحتِلال، ولمنْع أيّ أحَد من القيام بأيّ عمل عسكري، وانتقد تيسير نصر الله القيادي في حركة فتح الدَّعوات لبدء الانتِفاضة الثَّالثة بحجَّة أنَّهم ما زالوا يُقيمون الانتفاضة الثَّانية، التي أجْهضتْها حركة فتح وأجهِزتها الأمنيَّة، الَّتي يرأسُها حاليًّا الجنرال كيث دايتون، وكأنَّهم هم الَّذين أشعلوا الانتِفاضة الثَّانية، وكأنَّ السَّبق والنَّصيب الأكبر كان لهم فيها، وكأنَّهم يُعيرون هذا الشَّعب اهتمامًا.

 

لم يبق إلاَّ قوى المقاومة المحاصرة المضيَّق عليها، بالإضافة إلى الشَّباب الأحرار الأبطال الَّذين خرجوا منذ الاثنين ليعلنوا عن غضَبهم، وليرشقوا الصَّهاينة بالحِجارة، ليس معهم سلاح ولا متفجِّرات ولا حتَّى أسلحة بيضاء، بل الحجارة، والحجارة فقط.

 

إنَّ ما يحدث الآن من مواجهات عنيفة في مدينة القدس بين المرابطين الشُّجعان من أبناء مدينة القدس الفلسطينيَّة وجنود جيش الاحتِلال الصهيوني، إنَّما هو دليل على أنَّ المقاومة لم تَمُت ولن تَموت، وأنَّ هؤلاء الشَّباب الشُّجعان العزَّل من السِّلاح الَّذين يرمون قوَّات الاحتِلال الصهيوني بالحجارة، لا يعرفون الذلَّ ولا الاستِسلام، لا يعرفون السَّلام الَّذي يطْلبه السَّاسة العرب والسُّلْطة الفلسطينيَّة، هؤلاء الشَّباب عرفوا وأدْركوا أنَّ العدوَّ لا يرتَدِع إلاَّ بتلك الحجارة وبهذِه الطَّريقة، فهو لا يعرف سلامًا ولا هُدنة إلاَّ إذا كان لذلك مضطرًّا.

 

إنَّ تلك الشَّرارة التي اندلعت في مدينة القدس وما حولَها لهي تحمِل في طيَّاتها رسائل عدَّة، من أهمِّها:

إلى الكيان الصهْيوني، ومفادُها أنَّ على العدوِّ أن لا يظنَّ أنَّ هدم الأقصى سيكون أمرًا سهل المنال، ولا يظنّ العدوُّ أنَّ مواقف الحكَّام والعلماء الصَّامتين السَّاكتين سيكون لها تأثير على أحرار القدس، بل إنَّ هذه المواقف لتؤكِّد لهم أنَّهم على الحق، وعلى العدوِّ أن يدرك أنَّ هؤلاء العزَّل من السلاح مستعِدّون لفعل كلِّ ما من شأنه أن يحمي المسجد الأقصى المبارك، حتَّى وإن أهرقت دماؤهم.

 

إلى السلطة الفلسطينيَّة ومَن معها من دُعاة السَّلام، ومُفادها أنَّ السَّلام الذي يتحدَّثون عنْه لا وجود له اليوم, ولَم يكُن له وجود في يوم من الأيَّام، لكن القوم كانوا يخدعون أنفُسهم ويوهمونها بأنَّهم قد يحقِّقون شيئًا، ولكن مَن يعلم حقيقة اليهود ويعرف تاريخهم فلا بدَّ أن يكون قد وصل إلى درجة اليقين بأنَّه من المستحيل الوصول إلى سلامٍ مع اليهود، وها هو العدوُّ يردُّ على مبادراتهم بالصَّفعات على الوجه، فليْتَ القوم يُفيقون، وما أظنُّهم - والله – فاعلين!

 

إلى الشعوب العربيَّة والإسلاميَّة، ومفادها أنَّ هؤلاء الأبطال لا ينتظرون دعمًا رسميًّا؛ لأنَّه من الغباء أن ينتظِروا هذا الدَّعم، لكنَّهم يريدون دعمًا شعبيًّا يتمثَّل على الأقلِّ في إحْياء مشروع المقاطعة من جديد؛ لإجبار حلفاء الكيان الصهْيوني على الضغط عليه للتوقُّف عن حماقاتِه ووقاحاته، وهذه المقاطعة سيكون تأثيرُها اليوم أشدَّ في ظلِّ الأزْمة العالميَّة الَّتي هزَّت الاقتصاد العالمي كلَّه.

 

إلى العُلماء الصَّامتين، فلسان حال المرابطين في الأقْصى يقول: يا عُلماء الأمَّة، إنَّ صمْتكم وسكوتَكم أغْرى الجميع لأن يفعلوا ما يشاؤون؛ لأنَّهم أدركوا أنَّ رأس حربة الأمَّة - وهُم العلماء - قد سكتوا ورضُوا بالسُّكوت موقفًا، فإذا كانت رأس الحِرْبة لا قيمة لها وغير مؤثِّرة، فما بالُكم بالحربة نفسها؟!

 

وأخيرًا:

برقية تحية إلى هؤلاء الأبطال الميامين في القدس وضواحيها، وأسجد لله داعيًا إيَّاه أن ينصُرَهم ويعزَّهم، ويذلّ كلَّ مَن وقف ضدَّهم، كائنًا مَن كان، فلا كرامةَ لأحد عندنا، طالَما لم يجعل هو لنفسه كرامة.


غير مسموح بنشر المقال دون ذكر المصدر
--
نحن قوم اعزنا الله بالاسلام فإن ايتغينا العزة فى غيره أذلنا الله
مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق