-->

أهداف ومصالح الإحتلال فى هلمند ومعركته الخاسرة

بقلم / مجدى داود
المصدر/ موقع قاوم
http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=6583&Itemid=1
  
02/03/2010
Image
وإذا كان الاحتلال يستغل اعتقال المسؤول الكبير في طالبان عبد الغني براذار بالإضافة إلى مقتل نجل جلال الدين حقاني أحد قادة طالبان سيؤثر على حركة طالبان ويقلل من صمودها، ولكنه أيضا لم يتعلم ولم يدرك بعد إن اغتيال قادة حركات المقاومة والجهاد لن يؤثر كثيرا في مجريات الأمور وما حدث من اغتيال لقادة المقاومة الفلسطينية وعدم تأثير ذلك على تلك الفصائل ليؤكد أن نهج الاغتيال نهج خاطئ لن يؤتى أكله.
 
-------------------------
 
منذ أيام قليلة بدأت العملية العسكرية التي شنتها قوات الاحتلال الأمريكي وقوات حلف الناتو الصليبي بالإضافة إلى قوات الجيش الأفغاني ضد حركة طالبان الأفغانية في ولاية هلمند جنوب أفغانستان وبالتحديد في مدينة مرجة التي يعتبرها الاحتلال آخر وأكبر معاقل الحركة في الجنوب الأفغاني, وولاية هلمند ضمن المناطق التي كانت تحت نفوذ القوات البريطانية وكانت القوات البريطانية متفاهمة ضمنيا مع طالبان لكن الولايات المتحدة أبت إلا أن تشعل النار في كل مكان في أفغانستان فكان لها ما أرادت لكن النار اشتعلت في صفوف جيشها أولا حتى صارت هلمند اليوم أكثر المناطق سخونة في أفغانستان.
 
فقوات الاحتلال في أفغانستان تشن هذه الحرب لتحجيم نشاط الحركة في الجنوب، ذلك لأن حركة المقاومة الإسلامية طالبان قد كبدت الاحتلال خسائر كبيرة جدا في الفترة الماضية سواء كانت خسائر مادية أو بشرية، ومن ذلك ما قامت به حركة طالبان من هجوم على قاعدة خوست العسكرية والذي أدى إلى مقتل سبعة من جهاز الاستخبارات الأمريكية الذي يحظى بشهرة كبيرة في المجال الأمني وكانت هذه العملية ضربة كبيرة لهذا الجهاز الأمني الكبير وهذا يؤكد أن عناصر طالبان صاروا قادرين على اختراق أقوى أجهزة الاستخبارات والأمن في العالم مما يعنى أنهم قد تلقوا تدريبات أمنية على أعلى مستوى.
 
كما قامت الحركة أيضا بشن أكثر من عملية ضد هذه القوات في العاصمة الأفغانية كابل ثم تنسحب الحركة تاركة وراءها الكثير من الخسائر المادية والبشرية لقوات الاحتلال دون أن تتسبب تلك العمليات التي تقوم بها الحركة في مقتل الكثير من المدنيين في حين أن قوات الاحتلال التي تستخدم أحدث الأسلحة بما فيها الأسلحة الذكية تتسبب في مقتل عشرات بل مئات المدنيين في كل عملية تقوم بتنفيذها, مما يدل على مستوى التقدم العسكري والتدريب الجيد الذي تتميز به حركة طالبان رغم الظروف الصعبة التي تحيط بها، ثم جاء الهجوم الأخير للحركة في كابل والذي وصل فيه مقاتلو الحركة العشرون إلى قصر الرئاسة واشتبكوا مع قوات الشرطة وقوات الاحتلال حوالي ثلاث ساعات لينسحب مقاتلوها تاركين وراءهم دمارا وذعرا لقوات الاحتلال والقوات الحكومية ليعطى إشارة إلى الاحتلال بأن الحركة باتت من التنظيم والاستعداد بمكان لا يمكن تجاهلها وأنها ماضية في تحقيق أهدافها إلى النهاية.
 
حينئذ لم يجد الاحتلال أمامه من طريق إلا أن يعرض الرشوة على حركة طالبان ويعرض هدنة معها أو يقوم بشن هجوم عليها، وقد بدأ الاحتلال بعرض الرشوة والهدنة على طالبان وظن الاحتلال أن هذا العرض سيعمل على إحداث فرقة وانشقاق داخل الحركة وبالتالي تضعف الحركة ويسهل عليه هزيمتها ولكن ما لم يدركه الاحتلال أن حركات المقاومة الإسلامية ومن ضمنها حركة طالبان تقوم أساسا على أسس عقائدية يصعب التأثير عليها بالرشوة والإغراء, في ذات الوقت عرض حامد كرزاى على حركة طالبان ما يريدونه من مال ومناصب مقابل الاستسلام وإلقاء السلاح وتوجه إلى السعودية طالبا منها التوسط بينه وبين طالبان, وسريعا كان رد حركة طالبان التي أكدت على شروطها والتي من أهمها انسحاب كافة قوات الاحتلال من البلاد حتى لا يبقى فيها جندي أجنبي واحد.
 
حينئذ لم يجد الاحتلال أمامه سوى الاستجابة لمطالب الحركة وهذا أمر مستبعد على العقلية المتغطرسة للاحتلال الذي يظن أنه بما لديه من قوة قادر على تركيع الشعوب, أو أن يقوم المحتل بشن حرب على حركة طالبان يهدف من ورائها إلى تحجيم الحركة وتقليل نشاطها والضغط عليها من أجل قبول عرضه بالهدنة والدخول في العملية السياسية وإلقاء السلاح، وفى نفس الوقت يقوم باستغلال هذه الحرب في خداع الرأي العام العالمي والمحلي في تلك البلاد بأن قوات الاحتلال لا تزال مسيطرة على الوضع في أفغانستان وأن الحرب على ما يسمونه الإرهاب لا تزال مستمرة ولا تزال تؤتى أكلها.
 
يعتمد الاحتلال على الأكاذيب في عملية الخداع الإعلامي لشعوبه والحرب النفسية للمقاتلين من طالبان فهو يردد أن منطقة مرجة هي أكبر وآخر المعاقل الطالبانية في جنوب أفغانستان وهذا يناقض تقارير غربية تفيد بأن طالبان تسيطر على أكثر من نصف الأراضي الأفغانية، ويدعى أيضا أن السيطرة على هلمند تعنى السيطرة على مجريات الحرب في أفغانستان وهذا يناقض التقارير العسكرية والتصريحات التي تصدر من القادة العسكريين والسياسيين الغربيين من أن الوضع في أفغانستان لا يمكن حسمه عسكريا بأي حال من الأحوال كما صرح وزير الدفاع البريطاني بأن العملية تتميز بالخطورة وأن الخسائر المحتملة قد تكون كبيرة, والكثير من الأكاذيب التي يسوقونها ليبرروا للعالم ولشعوبهم المخدوعة هذه الحرب التي سيخرجون منها مهزومين إن شاء الله.
 
وقد قال الملا عبد الرازق آخند المسؤول العسكري بطالبان إن لهلمند من الأهمية بمكان يجعل القوات المحتلة تحاول السيطرة عليها، من هذه الأهمية أن ولاية هلمند قريبة من إيران وبالتالي فهم يريدون أن تكون لهم مراكز عسكرية وتجسسية بالقرب من الحدود الإيرانية من أجل مراقبتها وتهديدها، كما يريدون أيضا السيطرة على تلك الكمية الهائلة من الهيروين الموجود في هلمند وبالتالي يقومون بتنميتها والتكسب من ورائها, كما يوجد في باطن الأرض في هلمند كميات ضخمة من ذخائر اليورانيوم التي تقوم القوات البريطانية باستخراجه.
 
كل هذه الأمور تجعل هلمند هدفا مهما لقوات الاحتلال الأجنبي في أفغانستان وهذا يوضح لنا لماذا تم اختيار هلمند دون غيرها من المناطق التي توجد فيها طالبان بقوة وتصنف على أنها أكبر معاقل طالبان.
 
ولهذه الأهمية فقد أعد الاحتلال لهذه الحرب عدة قوية وحشد لها ما يزيد عن خمسة عشر ألفا من الجنود منهم ألفين وخمسمائة جندي أفغاني والباقي من قوات التحالف ظاناً أن هذه القوات ستدخل الرعب في قلوب المجاهدين من طالبان, وبدأت قوات الاحتلال في التقدم وصاحب الحرب تغطية إعلامية كبيرة جدا كانت تصف الحرب بأنها حرب غير متكافئة من حيث قوة الإحتلال وضعف حكة طالبان وتشرذمها كما يدعون وأن قوات الاحتلال لم تجد أية مقاومة إلا بعض المناوشات التي سرعان ما اختفت.
 
على الجانب الآخر فإن حركة طالبان قد استعدت للمعركة مع أنها ترى وفقا لما قاله الملا عبد الرازق أن هذا هجوم عادى ليس فيه أي جديد واعتبر أن هذه المعركة إنما هي معركة دعائية مؤكدا أن أغلب مديريات المنطقة تقع تحت سيطرة حركة طالبان حتى أن بعضها لا يمكن للاحتلال الوصول إليها جوا, لكنه مع ذلك أكد أن الحركة مستعدة لهذا الهجوم ومن هذه الاستعدادات زرع الألغام في الطرق الخاصة والعامة, كما أعدوا مجموعة من الاستشهاديين ونشروا بعض الأسلحة الثقيلة لاستهداف الأهداف المتحركة.
 
ومع أن إعلام الاحتلال قد صور للعالم أنه لم يلق مقاومة وأنه سيطر على مناطق كثيرة فإن حركة طالبان أكدت أنها كبدت الاحتلال في اليوم الأول من الهجوم الذي شنته جيوش التحالف الغربي على هلمند، مؤكدة مقتل 32 جنديًا من بينهم 19 جنديًا أمريكيًا وتدمير 11 دبابة أميريكية وبريطانية بالإضافة إلى قصف بعض المواقع العسكرية للاحتلال.
 
قوات الاحتلال على ما يبدو لم تتعلم من الحروب السابقة ضد طالبان، فالحركة لا تتبنى استيراتيجية المواجهة الشاملة بل هي تتبنى استيراتيجية الكر والفر، وبالتالي فمن الغباء أن يتوقع الاحتلال أنه سيجد مقاتلي طالبان يقفون في الطريق يقاتلونه، بل هم سيتركونه يدخل ويستقر ويطمئن أنه أحرز نصرا كبيرا وأنه سيطر على الأمور ثم يفاجؤونه بهجماتهم التي قلما تخطئ أهدافها، هذا بالإضافة إلى الطبيعة الجبلية لأفغانستان التي تجيد حركات المقاومة بصفة عامة استغلالها في حين تكون هذه الطبيعة أحد أهم نقاط الضعف للجيوش النظامية, وهذا ما حدث فعلا في يوليو عام 2009م في عملية سميت باسم (مخلب النمر) حيث أعلن العدو أنه يتقدم ويحرز نصرا كبيرا وكانت النتيجة في النهاية انسحاب قوات الاحتلال بعدما وجدوا جحيما اسمه مقاتلي طالبان.
 
وإذا كان الاحتلال يستغل اعتقال المسؤول الكبير في طالبان عبدالغني براذار ليقول للعالم ولشعوبه أنه ما زال قوى وأن أجهزته الاستخباراتية والأمنية تعمل في جد، ويحاول القول أن اعتقال هذا الرجل الذي يصنف على أنه الرجل الثاني في طالبان بالإضافة إلى مقتل نجل جلال الدين حقاني أحد قادة طالبان سيؤثر على حركة طالبان ويقلل من صمودها، ولكنه أيضا لم يتعلم ولم يدرك بعد إن اغتيال قادة حركات المقاومة والجهاد لن يؤثر كثيرا في مجريات الأمور وما حدث من اغتيال لقادة المقاومة الفلسطينية وعدم تأثير ذلك على تلك الفصائل إلا بالقدر القليل ليؤكد أن نهج الاغتيال نهج خاطئ لن يؤتى أكله.
 
فعلى قوات الاحتلال وقادة دول الاحتلال أن يدركوا أنهم أوقعوا أنفسهم في وحل ومستنقع كبير لا يمكن الخروج منه إلا بالموافقة على شروط طالبان وفى هذا قالت ذي إندبندنت أون صنداي (إن القوات الأجنبية في أفغانستان ربما أوقعت نفسها أكثر فأكثر في الوحل والمستنقع الأفغاني) فطالبان هي وحدها القادرة على السيطرة على كافة مناطق أفغانستان وأي حرب ضدها ستكون بلا فائدة والخاسر هو الاحتلال لا شك.
 
* كاتب إسلامي مصري.
 
"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"
 


--
نحن قوم اعزنا الله بالاسلام فإن ايتغينا العزة فى غيره أذلنا الله
مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق