-->

هذا ما يحدث في بعض المدارس، فكيف نعالجه؟

المصدر / http://alukah.net/Social/0/21052/

بقلم/ مجدى داود

إن الحديث عن المؤامرات التي تُحاك ضد أمة الإسلام حديثٌ لا ينتهي، وكيف ينتهي، وكل يوم يتمُّ الكشف عن خُطط جديدة ومؤامرات قَذرة عديدة، قامت بإعدادها مراكز الدراسات والأبحاث، وأشرفت على تنفيذها الهيئات الثقافية والإعلامية، وكذلك السياسية والتعليمية؟! وكيف ينتهي وأعداء أمة الإسلام يخترعون كلَّ يومٍ ما هو جديد من وسائل نشر الفساد والإفساد؟!

 

إن الغرب لما قرَّر الحرب على الإسلام، كان هناك بين يديه طريقان، إحداهما عسكريَّة والأُخْرى ثقافية فكرية، لقد أدركوا أنهم لن يستطيعوا السيطرة عسكريًّا على المسلمين إلا من خلال السيطرة على عقولهم أولاً، والقضاء على قِيَمِهم وأخلاقهم، وإبعادهم عن دينهم، وزرع الأفكار العَفِنَة النَّتِنَة بين شبابهم، وهم في ذلك ليسوا في عجلة من أمرهم، فإذا لم يستطيعوا أن يفعلوا ذلك مع هذا الجيل، فإنهم قد وضعوا في حُسْبانهم وحوَّلوا هدفهم أن يُخْرجوا جِيلاً جديدًا لا يعرف عن هذه القِيَم شيئًا، ولا عن دينه شيئًا، جيل منبهر ومعجب بالفنَّانين والفنَّانات، والراقصين والراقصات، جيل أقصى ما يعرفه عن دينه أن هناك شيئًا اسمه صلاة لا يعرفون كيفية أدائها، أو أن هناك مجموعة من المتطرِّفين يُلْزِمون المرأة بالحجاب، جيل يأخذ دينه من أفواه الغانيات العاهرات، ويتخذهُنَّ قدوةً وأُسوة، بدلاً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبه.

 

وللأسف الشديد، فلقد نجح العدو بصورة جزئيَّة في إخراج مثل هذا الجيل، وحالنا لا يخفى على أحد، ولسوف أتحدث هنا عن أمرٍ محدد حدّثتني به فتاةٌ، أو بالأَحْرَى طفلة لم تبلغ العاشرة من عُمْرها بعدُ، طفلة تتحدث عمَّا يجري بين زملائها وزميلاتها في المدرسة الابتدائية الكائنة في ريف مصر، تتحدث الطفلة ذات السنوات العشر عن واقع عجيب غريب، يحاول البعض منَّا أن ينكرَه، ويقول: ليس هذا بموجود بيننا، لكنه يعلم أنها حقيقة نعيشها، ولا نريد أن نذكرَها؛ حتى لا نُدين أنفسنا ونلومها، لكن لا بد من أن نضعَ الحقائق بين أيدينا وأمام أعيننا؛ من أَجْل أن نعملَ أولاً على اقتلاع أسبابها، قبل البحث عن سُبُل علاجها؛ فالوقاية دائمًا خيرٌ من العلاج.

 

حدثتني الطفلة عمَّا اكتشفه مدرِّسوها من وجود مراسلات بين بعض الصِّبْيَة والفتيات، أطفال في سن العاشرة يرسلون إلى بعضهم رسائل غرامية في المدرسة التي من المفترض أن تكون هي قلعة التربية الأُوْلَى، وحِصن الأخلاق المنيع، لكن في ظل "العَوْلَمَة" فلا أخلاق ولا تربية، في ظلِّ العَوْلَمَة صارت المدرسة مكانًا يَقضي فيه الأولاد وقتهم دونما أيِّ تربية دينيةٍ أو خُلُقية، أو حتى علمية وثقافية.

 

فليتصور البعض أن هؤلاء الأطفال يفعلون هذا الشيء وهم في هذه السن المبكِّرة، فما الذي يمكن أن يفعلوه بعد مرور عشر سنوات من الآن؟! ما الذي يمكن أن يفعلوه عندما يكونون في الجامعة في ظلِّ هذا الواقع؟! فليس من المستغرب أن يحدث أيُّ شيءٍ مستقبلاً، وفي ظل عدم استهجان هذا الواقع، فلن يكون أيُّ فِعْلٍ بعد ذلك مستهجنًا، وسنظل ننتقل من سيِّئ إلى أسوأ؛ حتى نصل إلى نهاية سيئة، فنقول: كيف حدث هذا؟! وأين كنا عندما حدث هذا؟! وقتها سنندم حين لا ينفع الندم، سنبكي حين لا يجدي البكاء، وسنسأل أنفسنا وقتها فقط: ماذا علينا فِعْله لعلاج ما قد فسد؟! وحينها سيكون العلاج صعبًا.

 

لا يمكن أن نعزلَ هذا الواقع الذي حدثتني عنه الطفلة عن الحرب الفِكْرية والثقافية التي بدأتُ بها الحديث، بل هو أحد الدلائل القطعية على صِدْق حديثنا، وهو أيضًا هدف من أهداف هذه الحرب، وأثر من آثارها المرعبة.

 

إن الناظر في هذا الواقع ليجد أن هؤلاء الأطفال أخذوا هذه الفكرة السيئة من وسائل الإعلام المرئية، فقد صارت الأفلام والمسلسلات تُعرض على مدار الساعة، وتجد الأطفال يجلسون أمام التلفاز بالساعات دون رقيب ولا حسيب، ونجدهم يجلسون أيضًا بجوار آبائهم يستمعون إلى هذه الأفلام والمسلسلات الهابطة التي تُروِّج الأفكار السيئة، بل قد تجد الأُمَّهات يجلسون مع بعضهم برفقة الأولاد، ثم يتحدثون عن أحداث الفيلم ويروونه، مع إظهار إعجابهم بأبطال الفيلم، أو أبطال القصة الغرامية في المسلسل، وبالطبع إذا كان الآباء والأمهات هكذا، فليس من المستهجن أن نجد الأطفال يقلدون هؤلاء الضالين المضلين الفاسدين المفسدين.

إِذَا كَانَ رَبُّ الْبَيْتِ بِالدُّفِّ ضَارِبًا
فَشِيمَةُ أَهْلِ الْبَيْتِ كُلِّهُمُ الرَّقْصُ

 

إن الأطفال في هذه السن هم في مرحلة بين مرحلتين، بين مرحلة التقليد الأعمى لأفعال الآباء دون محاولة تحليل هذه الأفعال، وبين مرحلة المراهقة أو مرحلة التمرُّد؛ حيث يعمد الشباب فيها إلى العِناد، ومحاولة الخروج عن سلطة الأبوين ومخالفتهما، ففي هذه المرحلة هم ينظرون إلى ردِّ فِعْل الأبوين تجاه حدثٍ ما، فإذا رأوا منهما استهجانًا، رسخ ذلك في عقولهم وابتعدوا عنه، أما إذا لم يجدوا ذلك أو وجدوا قَبولاً وإعجابًا، فسينتقل هذا إلى الأطفال في صورة إِذْنٍ لهم بفِعْل مثل هذه الممارسات والأفعال.

 

لقد حذَّر العلماء والدُّعاة مِرارًا وتَكرارًا من خطورة مشاهدة مثل هذه الأفلام والمسلسلات الخليعة، ولم يجز أحدٌ من العلماء ذلك، إلا أن مجرَّد عدم الاستماع والمشاهدة فقط صار لا يكفي، بل لا بد أن يكون هناك ردُّ فعلٍ من الأبوين تجاه هذه الأمور، ويكون هناك تعليق فوري إذا حدث أنْ شَاهَدَ الطفل أو الفتى شيئًا من هذه المشاهد، فلا بد ابتداءً أن يؤكِّد الأبوين للطفل أن هذا شيءٌ محرَّمٌ، ويعلِّمونه أن المسلم لا يقبل مثل هذه الأشياء ولا يفعلها، ويخوفونه منها ويرغِّبونه في الابتعاد عنها بأسلوب تربوي شَيِّقٍ، ومن المهم أن يكون الأسلوب سهل بسيط يوافق إدراك الطفل وقدراته العقلية، ثم بعد ذلك يتم توجيه أسئلة للطفل عن رأيه هو فيما يدور حوله من أحداث، فيتم سؤاله مثلاً عمَّا يراه داخل المدرسة أو في الشارع، ثم يُطلب منه إبداء الرأي، وبعد ذلك يتم تقييم وتقويم وتصويب هذه الآراء.

 

وتعجبني تلك الطفلة التي حدثتني عمَّا يدور في مدرستها عندما سألتها عن رأيها، فقالت نصًّا - أو قريبًا منه -: " لا يصح أن أكون مسلمة ومؤمنة، وأعمل وأفعل ذلك، ولا يصح أن يكون لي أصحاب صِبْيَان، يجب أن يكون أصحابي فتيات فقط"، فمثل هؤلاء الفتيات نريد، ومثل هذا الفكر يجب أن ننشر بين أبنائنا وبناتنا؛ حتى نضمن خروج جيلٍ يستطيع أن ينهض بالأمة من سُباتها ويوقظها من غفلتها.

 

ومن المهم أيضًا أن يكون الأهل على متابعة كاملة للأبناء، وما يحدث معهم وحولهم؛ حتى يدركوا الواقع الذي يعيش فيه أبناؤهم، فكثير من الآباء لا يزالون يتصورون أنهم يعيشون في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، ولا يزالون يعتقدون أن العُرْف السائد والأخلاق والثقافة المنتشرة بين أفراد هذا الجيل هي تلك التي كانت في أيَّامهم دونما تغيير يذكر.

 

إن الاهتمام بأحوال هؤلاء الأطفال والصِّبْيَة في هذه السن المبكِّرة في الأساس مهمة المجتمع بأكمله، لكن المسؤولية الأُولى على الأسرة ثم المدرسة، فإذا فَقَدَ كلٌّ منهما دوره الأساسي والطبيعي في تربية هذا النشء على الأخلاق السامية والقِيَم الرفيعة، فلا ينتظر أحد من الشباب إنجازًا، ولا ينتظر من هذه الأمة أن تنهضَ، ولو بعد قرون.


يجب ذكر المصدر عند نشر المقال.
--
نحن قوم اعزنا الله بالاسلام فإن ايتغينا العزة فى غيره أذلنا الله
مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق