-->

ذِكْرى الإسراء العظيم وحاضر الأقصى الأليم

ذِكْرى الإسراء العظيم وحاضر الأقصى الأليم

الإسراء يفتقد أحد ركنيه "الأقصى الأسير"

مجدى داود

المصدر/ موقع الألوكة   http://alukah.net/Culture/0/24013/

الحمدُ لله الملك المنَّان, الذي أسرى بعبده ليلاً مِن بيتِه الحرامِ في مكَّة إلى المسجد الأقصى في مدينة القُدس الشريف؛ ليؤمَّ أنبياءَه ورسله في الصلاة, ثم يعرج منه إلى السماء, وهناك في السماء يكونُ اللقاء، بين الربِّ القدير والرسول الأمين.

 

نعم, إنِّي لأحمد الله - تعالى - على تلك الحادثة الطيبة, تلك الحادثة التي تعلَّمنا منها الكثير، واستفَدْنا منها الكثير, تلك الحادثة أمْرٌ جلَل عظيم, لها دلائلُ عظيمة ونتائج أعظم, فعندما أصبح رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وحدَّث قريشًا بما حدَث, كذبوه, وقالوا: محمد مجنون, يزعم أنه ذهَب إلى بيت المقدس وعاد في ليلة, ونحن نضرب أكباد الإبل إليه شهرًا, وذهب المشركون إلى أبي بكر ينقلون له الخبر, فقال لهم كلمته الشهيرة: "إن كان قد قال، فقد صدق", فكان هذا الحدَث تفْريقًا بين الحقِّ والباطل, فقد تبيَّن مَن في قلوبهم مرَض من الذين صدقوا الله وأخلصوا له العقيدة, فقد ارتدَّ بعضُ مَن كان أسلم لَمَّا سمع بهذه الحادثة؛ لكنَّ المؤمنين بالله الراسخ إيمانهم الثابتة عقيدتهم, لَم يتزعزعوا ولَم تهتز ثقتُهم في الله ورسوله, بل لقد اعتبروا هذه الحادثة دليلاً على صِدْقه - صلى الله عليه وسلم.

 

ولكنَّنا الآن - ونحن نتحدَّث عن الإسراء والمعراج - لا يجب أن نَتَحَدَّث عنها كما تحدَّث عنها السابقون فقط, فأئمتُنا وشيوخنا الأفاضل - رحمهم الله جميعًا - حينما تحدَّثوا عن هذه الحادثة لَم يكنِ الأقصى وقتئذٍ أسيرًا, ولَم تكنِ القُدسُ يومئذٍ جريحة, بل لَم تكنْ إسلاميَّةُ القدس وعروبتها ووجوب الجهاد على المسلمين جميعًا مِن أجل تحريرها وحُرمة التفريط في أي شبْرٍ من أرضها - محِلَّ خلاف بين أهْلِ العلم, ولم يكنْ أحدٌ ليجرؤ على أنْ يقول كلمة واحدة, قد تحتمل ذلك الأمر بأي وجْهٍ من الأوجه, ولهذا لَم يكونوا يُركِّزُون في حديثهم على دلائل هذه الحادثة بالنسبة لعظَمة ورِفْعة منْزلة المسجد الأقصى والقُدس الشريف في نُفُوس المسلمين, فقد كان ذلك عندهم من البديهيات التي لا نِقاش فيها.

 

لكننا الآن - وللأسف الشديد - نعيش في زمنٍ تختلط فيه الأمور, ويتحدث الرُّوَيْبضة في أمر العامة, فيدلي كلٌّ منهم بدلْوه, الكلُّ يَتَحَدَّث، وقليلٌ منهم من يعلم عما يتحدَّث, الكلُّ يفَسِّر كتاب الله – تعالى - وقليل منهم مَن يفعل ذلك على علْمٍ عنده, حتى صار الصادقُ كاذبًا, والكذابُ صادقًا, وخُوِّن الأمين, وائتُمِن الخائن, وصدَق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: ((سيأتي على الناس سنوات خدَّاعات، يُصَدق فيها الكاذب، ويُكَذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخَون فيها الأمين، وينطق فيها الرُّوَيبضة))، قيل: وما الرُّوَيبضة؟ قال: ((الرجلُ التافِه في أمْر العامة))؛ والحديثُ صحَّحه الألباني - رحمه الله تعالى - في صحيح وضعيف الجامع الصَّغير (رقم5963).

 

نحن في زمانٍ صارَ فيه بعضُ مَن يحمل أمانة العلم هم الذين يُفَرِّطون في القُدس وفِلَسْطين, ويفَرِّطون في المسجد الأقصى المبارَك, فوجَدْنا مِن أهلِ العلم، أو بالأحْرى علماء السلاطين والأهواء مَن يدعو إلى السلام مع الكيان الصِّهْيَوْني, والتسامُح مع اليهود, ووجدنا للأسف بعضًا ممن يلَقّبون بالشيوخ ينظرون للسلام مع الكيان الصِّهيوني؛ بل وَجَدْنا مَن وقَف في وسط الحرب الصِّهيونيَّة على قطاع غزة, على منبر إعلامي مؤثر في الناس, لا ليشد عضد المجاهدين ويدعو الناس إلى دعْمهم؛ بل ليهاجِمَ المجاهدين, ويصفهم بذات الأوْصاف التي يصفهم بها اليهود الصهاينة.

 

ففي هذا الوقت يجب أن يعملَ علماؤنا الأفاضل على استنباط واستنتاج عِبَر ودروس لَم نسمع عنها مِن قبل مِن حادثة الإسراء والمعراج, ويجب أن تكونَ هناك تفاسير جديدة لِمِثْل هذه الآيات؛ حيث يتم إسقاطها على الواقع الذي نعيشه؛ لأنه يجب علينا أن نربطَ قضية القدس والأقصى بالقرآن الكريم كلام رب العالمين؛ بحيث لا يكونُ لأحدٍ حجَّة أن يحاولَ التملُّص من واجبه تجاه هذه القضيَّة, وبحيث لا يدَّعي أيُّ شخص عدم علمه أهمية ومكانة القدس والأقصى في الإسلام.

 

يجب أن ندفعَ الناس دفعًا إلى الاهتمام بهذه القضيَّة التي يُحاك لها المؤامرات والخطط في الظلام, ويجب أن يعلمَ الناس أن القيامَ بالدور المطلوب تجاه قضايا المسلمين بصفة عامة والقضية الفلسطينية بصفة خاصة ليس من الرفاهيات, وليس مِن المستحبات التي يُثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها, بل هي من الواجبات, وقل إنْ شئت: مِن أوْجَب الواجبات، ومِن أولى الأولويات, يجب أن يعلمَ الناسُ أننا عندما نتكلَّم عن فِلَسْطين، فإننا لا نتكلم عنْ قطعة من الأرض, أو عن أربعة ملايين مسلم يعيشون في فِلَسطين يمكن استيعابهم في أي بلد إسلامية, بل عليهم أن يعلموا أننا نتكلم عن عقيدةٍ راسخة, ونتكلَّم عن قرآن أُنزل من السماء يُتلَى إلى يوم القيامة, تكلَّم به ربُّ العزَّة - سبحانه وتعالى - وهذا القرآن يُخبرنا أن القدس وفِلَسْطين والأقصى جُزء من الدين الإسلامي، لا ينْفصل عنه أبدًا.

 

في ذِكْرى الإسراء والمعراج يجب أن نرَسخَ في أذْهان الناس أولاً أنَّ إفراد سورة كاملة في القرآن الكريم سُميتْ بسورة الإسراء، وليس هناك سورةٌ تُسمَّى سورة المعراج، مع أنَّ المعجزة الكبرى هي المعراج لا الإسراء - ليس مِن قبيل المصادَفة, بل هو تأكيد على أهمية المسْرى إليه، وهو المسجد الأقصى, وتأكيد على العلاقة الوثيقة والرِّباط القوي الذي يربط المسجد الأقصى المبارك بالدين الإسلامي العظيم, وتأكيد على أنَّ الإسلام هو الدِّين الخاتم, وأكْرم بالشيخ سيد قطب - رحمه الله - إذْ يقول في "الظلال"، متَحَدِّثًا عن رحلة الإسراء: "والرحلةُ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلةٌ مختارة من اللطيف الخبير، تربط بين عقائد التَّوحيد الكبرى من لدُن إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - إلى محمد خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعًا.

 

وكأنما أريد بهذه الرحلة العجيبة إعلان وراثة الرسول الأخير لمقدسات الرسل قبله، واشتمال رسالته على هذه المقدَّسات، وارتباط رسالته بها جميعًا، فهي رحلةٌ ترمز إلى أبعد من حدود الزمان والمكان؛ وتشمل آمادًا وآفاقًا أوْسع من الزمان والمكان؛ وتَتَضَمَّن معاني أكبر من المعاني القريبة التي تتكشَّف عنها للنظرة الأولى", فجزى الله شهيد المفسِّرين سيد قطب - رحمه الله - خيرًا كثيرًا؛ إذ استنبط لنا بفكرِه العميق معنى جديدًا من هذه الآيات.

 

يجب إن يكونَ تذكُّرنا للإسراء والمعراج, واحتفالنا به - إنْ جازَ لنا الاحتفال - عبارة عن جُهدٍ كبيرٍ وفكرٍ جديدٍ, وإخبار للناس بما هو حاصل في فِلَسْطين, يجب أن نفكرَ في طرُق لمساعدة أهلنا المرابطين في المسجد الأقصى, يجب أنْ تكونَ أفعالُنا في هذه الظروف رسالة إلى أهلنا المرابطين هناك، والذين يتعرَّضون للأذى الصِّهيوني أننا معكم, وأن الأقصى يهمنا ويخصنا كما هو لكم, يجب أن يشعرَ هؤلاء أننا بحق نهتمُّ بالأقصى, وأنهم ليسوا وحدهم, ويجب أنْ نخبرَ الناس أن كلَّ هذا نستنبطه من كلام ربِّ العالَمين.

 



--
نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فإن ابتغينا العزة فى غيره أذلنا الله
مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق