-->
تعليقا على قصة عائشة وهدى
مجدى داود

http://alukah.net/Social/0/28945/

أثناءَ تَصفُّحي لشبكة (الألوكة) وقعَتْ عيني على مقال موسوم بـ(عائشة وليس آشا) جذَبَني الاسم؛ فقد توقعتُ أن تكونَ فيه لفتةٌ تربوية، وصَدَق حدسي، فقد كان المقال يَحكي باختصارٍ شديد قصَّة فتاة كانتْ ترَى في اسمها (عائشة) تخلُّفًا ورجعية؛ ولهذا كانتْ تطلُب مِن الجميع أن يُناديها بـ(آشا)، ويقص المقال أيضًا كيف تعاملتِ المعلِّمةُ مع هذه الفتاة بفِطنة وذَكاء.

 

وأنا أقرأ المقالَ خطرتْ لي خاطرة، وهممتُ أن أكتُبَها كتعليق على المقال، ولكن رأيتُ أنَّه مِن الأفضل أن أُفردَها بمقالة؛ حتى تعمَّ الفائدة؛ فكثير - بل غالب القراء - لا يلقون بالاً للتعليقات المكتوبة على المقالاتِ المنشورة، وهم بهذا يَحرِمون أنفسَهم من خيرٍ كثيرٍ.

 

إنَّ هذه المقالةَ الرائعة ألْقَت الضوء على عددٍ من نقاط الخلَل الجَسيمة في تربية الأبناء، منها ما هو مِن جانب الأُسْرة، وبالتحديد من جانبِ الأبوين، ومنها ما هو مِن جانب المدرسة.

 

فأوَّل خلَل تربوي هو عدمُ معرفة الفتاة شيئًا عن دِينها ولا عن نبيِّها، فالفتاة لم تكن تعرِفْ أنَّ نبيها محمَّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - له زوجة تُسمَّى عائشة، فضلاً عن أن تَعرِف مَن هي عائشة؟! وما هو فضلُ عائشة ومكانتها ومنزلتها عن المسلِمين؟! فضلاً أن تعرِف موقع أمِّ المؤمنين عائشة في قلْب رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو ما أكَّدتْه الفتاةُ نفسها وهى تروي قصَّتها.

 

فالفتاةُ لا تعرِف شيئًا عن الدِّين، وبالتالي فهي لم تكن ترفُض اسمَ عائشة؛ لأنَّه اسم أمِّ المؤمنين - رضي الله عنها - بل كل ما كانتْ تعرفه عن هذا الاسم أنَّه اسمُ جَدتها، وبالتالي فهي قدْ رأتْ أنَّ الاسم غير متداول، فهو اسمُ جَدَّتها، فالزمن قد تغيَّر، وبالتالي فهي ترَى أنه كان يجبُ أن تُسمَّى باسمٍ عصريٍّ يناسب الزمنَ الذي تعيش فيه، فالأُسرة هنا في حالةِ غيبوبة كامِلة، وعدم القيام بمسؤوليتها تُجاهَ تربية هذه الفتاة، بل إنَّ عدم معرفة البِنت شيئًا عن أمِّ المؤمنين عائشة وعدم معرفة أنَّ نبيها متزوِّج مِن امرأة تُسمَّى عائشةَ يعنى أنَّ البيت كله في حالة يُرثَى لها، معنى هذا: أنَّ البيت كله ربما لا يُذكَر فيه الله ألبتةَ! ولا يُذكر فيه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إطلاقًا، فعَلَى أقل تقدير لو أنَّ أهل هذه الفتاة يسمعون خُطبةَ جُمُعة كلَّ أسبوع، أو أي برنامج دِيني على أيَّة فضائية كانتْ أو حتى عبْرَ الإذاعة، فبالتأكيد سيتمُّ ذِكْر اسم أمِّ المؤمنين - رضي الله عنها - مِرارًا وتَكْرارًا.

 

لقدْ كان على أُسرة هذه الفتاة حين رَأَوا منها كُرْهًا لهذا الاسم أن يُوضِّحوا لها أيضًا أنَّ هذا هو اسم أحب النِّساء إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - التي هي أمُّ المؤمنين، وبنتُ الصِّدِّيق أبي بكر، بل كان يجبُ أن تكون الطفلةُ على عِلم بهذه المعلومات البسيطة قبلَ أن تقول: إنَّ اسمها هذا تخلُّف ورجعية.

 

فأين هو التأثيرُ على الطفلة في الصِّغر؟! ألم يقولوا: (التعليم في الصِّغر كالنقش على الحجر)؟! هذه مقولة صحيحة تمامَ الصِّحَّة، ويجب على كلِّ الآباء والأمهات، وعلى كل مسؤول عن تربية الأطفال، سواء في المدرسة أو دُور الحضانة أو الروضة، أنْ يكونَ مُوقنًا بصحتها، عاملاً بها، فبهذا يكون التأثيرُ على الأطفال وتوجيه ثَقافتِهم.

 

لقدْ خرجَتِ الطفلةُ مِن بيتها لا تعرِف شيئًا عن دِينها، وذَهبتْ للمدرسة التي هي في الأساس ميدان للتربية، ومنبرٌ للتعليم، بَيْدَ أنَّ المدرسة أيضًا كانتْ في غيبوبة، فمَع أنَّنا لا نعرِف كم بالضبط كان عمرُ الفتاة حينما اكتشفتْ أنَّها تحمل اسم أمِّ المؤمنين عائشة، إلا أنَّه يمكن القول أنَّها قدْ وصلت إلى سِنِّ العاشرة، أو بعد هذا بكثير؛ لأنَّ فتاةً تجيد البحْثَ لا بدَّ أنها ليستْ بالصغيرة؛ أي: إنَّه طوال أربع أو خمس سنوات كاملة قضتْها الطفلة في المدرسة لم تسمعْ عن أمِّ المؤمنين عائشة! لم تدرس في كتب التربية الدِّينيَّة شيئًا عن امرأة تُسمَّى عائشة، لم يُحدِّثْها مُدِّرسوها عن هذه المرأة، وهذا خللٌ تربويٌّ خطير، يجب على مَن يريد خيرًا بهذه الأمَّة أن يلتفت له، وإلا فليستعدَّ لموقف صعْب بين يدي المولَى - عزَّ وجلَّ.

 

والطامَّة الكُبرى أنَّ الفتاة حينما كانتْ تبلغ مدرِّسيها بتغيير اسمها مِن عائشة إلى آشا لم يَقُمْ أحدٌ بنصحها أو بانتهازِ الفُرْصة بتعريفِ الفتاة وزميلاتها بأمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها وأرضاها.

 

لكن لا يزال هناك مَن يَحمِل همَّ هذه الأمَّة، ولا يزال هناك مَن يُدرك الواجب الذي عليه القيام به، والمسؤولية المنوطة به، ويقوم بها على أكملِ وجه، فإنَّ هذه المعلِّمة التي أحدثتْ تغييرًا جذريًّا في طبيعة هذه الفتاة وتوجُّهها هي أيضًا بشَر، تعيش كما يعيش بقيةُ الناس، وتعمل في نفس المدرسة التي قضَتْ فيها الطالبةُ بِضع سنوات دون أن يقومَ أيُّ شخص بتصحيح فِكرتها عن اسمها، لكن الفارق أنَّ هذه المعلِّمةَ تَعْلَم ما عليها تُجاهَ أمَّتها، وتَسعَى للقيام بواجبها، فلمَّا رأتْ مِن الطالبة ما رأت لم تتردَّد في انتهازِ الفرصة لتلقنَ الطالبة درسًا عظيمًا، بأسلوبٍ سهْل بسيط، لا يُنفِّر الفتاةَ، بل يجعلها هي التي تصِل إلى مبتغَى المعلِّمة دون أن تشعر زميلاتها الطالبات بالمقصود مِن هذا الفعل، وفي نفس الوقت قد دفعت الطالبة إلى البحث والتنقيب، وبالتالي التأثُّر بالسيرة العَطِرة لأمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها وأرضاها.

 

إنَّ هذه القصَّة الممتعة بها مِن الفوائد الكثير، ولكنِّي أُركِّز على النقاط التالية:

1- أنَّ ما تُعانيه الأُسَر اليوم مِن تمرُّد أبنائها وخروجهم على المألوف، هو نتيجة حتمية لإهمالِ الأُسرة لأطفالها في المرحلة التي كان يجِبُ عليها فيها أن تَنقُشَ على الحجر، وتضع أُسسًا سليمة ينشأ عليها الأطفال، فلمَّا أهملتِ الأُسرة ذلك كانتِ النتيجةُ خروجَ جيل متمرِّد على كل شيء، متطبِّع بطِباع غريبة، ومتخلِّق بأخلاق سيِّئة.

 

2- أنَّ قيامَ المرء بواجبه تُجاهَ المجتمع وتقديم النُّصْح بأسلوبٍ إبداعي متميِّز، بحيث لا يُحرِج المنصوحَ - كما فعلتْ هذه المعلِّمةُ - يكون له أثَرٌ إيجابي.

 

3- أنَّه لا تزال هناك إمكانيةٌ في التأثير على أخلاق وطبائع الجِيل الناشئ، فإنَّ تمرُّدَه على الدِّين وعلى المجتمع ناتجٌ بشكل رئيسي عن سوءِ التربية، وبالتالي إذا ما قام كلٌّ بدوره، فإنَّ الأمل قوي في انتِشال الجيل الناشئ من سُبل الانحراف والضياع، والتمرُّد والفساد، بخلافِ ما يُردِّده البعضُ مِن أنه لا يمكن إصلاحُ الأجيال الناشِئة والقادمة.

 

وأخيرًا:

أبرق بالتحية إلى تلك المعلِّمة الفاضِلة، وندعو المعلِّمين والمعلِّماتِ، والآباءَ والأمهاتِ، والتربويين كافَّة، إلى قِراءة مِثل هذه القصص والتعلُّم منها؛ حتى نستطيع أن نُنشئَ أجيالاً تكون قادرةً بحقٍّ على نصرة هذا الدِّين، وحمْل الأمانة، وتبليغ الرسالة.




--
نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فإن ابتغينا العزة فى غيره أذلنا الله
مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق