-->

الإسلاميون تحت القبة .. واجبات ومحاذير

الإسلاميون تحت القبة .. واجبات ومحاذير

مجدي داود

Mdaoud_88@hotmail.com

انتهت الانتخابات البرلمانية المصرية، وحصل الإسلاميون على نحو ثلثي مقاعد مجلس الشعب تقريبا وذلك للمرة الأولى في تاريخ الإسلاميين في مصر، انتهت الانتخابات وانتهى التنظير للأفضل، وانتهى الحديث عما سوف يفعله الإسلاميون إذا فازوا، وجاء الوقت الذي ينتظر فيه الناس من الإسلاميين أن يردوا الجميل إليهم، لأنهم هم الذين أوصلوهم بفضل الله إلى هذا البرلمان، انتهى وقت الحديث وجاء وقت العمل الجاد، انتهى وقت الفضائيات والصحف والندوات، وجاء وقت البرلمان والرقابة والتشريع، انتهى وقت الحديث عن مشاكل الناس وآلامهم وجاء وقت العمل لحل هذه المشاكل وعلاج هذه الآلام.

مع بدء الجلسة الأولى للبرلمان المصري، تعلقت الأنظار به واتجه الجميع للجلوس أمام شاشات التلفاز، ليروا ما يحدث، كان مشهدا مهيبا، فهؤلاء الذين يجلسون في مجلس الشعب كانوا في السابق رواد السجون والمعتقلات، ومن كان يجلس في هذا المجلس، ويأمر وينهي، صار اليوم سجينا لا كرامة له، وفي هذا من العبر والدروس ما تصنف فيه المجلدات، تعلقت أنظار الناس بهؤلاء النواب الجدد الذين يمثلونهم ويتحدثون باسمهم ويعملون لصالحهم ولصالح البلاد فعلى هذا قد اختاروهم، وعلى هذا سوف يحاسبونهم، وعليه أيضا تكون نتيجة الانتخابات البرلمانية القادمة التي ستكون في أقصاها بعد خمسة أعوام من الآن.

إن الشعب المصري الذي انتخب هؤلاء الإسلاميين، إنما انتخبهم ليسيروا بالدولة نحو بر الأمان، ويحققوا له أمنياته وأحلامه، وقد حملوا الأمانة، بعد أن تقدموا لها، فعليهم أن يكونوا ضمير الشعب تحت قبة البرلمان، عليهم أن يكونوا لسان الشعب تحت القبة، ويتحدثون باسمه حقيقة لا مجازا، ينقلون آلامه من الشارع إلى البرلمان، عليهم أن يجعلوا البرلمان هو الجهة الوحيدة التي تعبر عن الشعب، آماله وآلامه وإرادته ورغبته، عليهم أن يجعلوا البرلمان ملاذا لكل مظلوم، ومغيثا لكل مستغيث، ونصيرا لكل مستنصر، وقبرا لكل متجبر، عليهم أن يجعلوا منه ساحة للعدل ورفع الظلم والقهر، ومنبرا للحرية، ورمز الإرادة الشعبية.

وإن أول ما يجب عليهم، هو العمل بجد وإصرار على محاسبة المسئولين السابقين، ممن سرق ونهب وفسد وأفسد، وكذلك محاسبة قتلة الثوار، والأهم هو ضمان الانتقال السلمي الحقيقي للسلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، إلى السلطة المدنية المنتخبة بشقيها التشريعي ممثلا في البرلمان والتنفيذ ممثلا في رئيس الجمهورية، وعليهم إعداد دستور جديد للبلاد يضمن العدل والمساواة، يضمن أن تخضع كل مؤسسات الدولة إلى السلطة المنتخبة بما في ذلك الجيش والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وألا تكون هناك مؤسسة منفصلة أو مستقلة بقرارها أو توجهاتها أو سياساتها عن سياسة الدولة التي يحددها البرلمان والرئيس المنتخبان.

إن استكمال تحقيق مطالب ثورة 25 يناير، بات أمانة معلقة في رقاب نواب البرلمان وعلى رأسهم النواب الإسلاميين، لقد خرجت الجماهير تهتف "عيش – حرية – عدالة اجتماعية" فعلى النواب الإسلاميين، أن يبذلوا قصارى جهدهم لكي يكونوا حقا نواب وبرلمان الثورة، فبهذه الثورة التي أنعم الله بها على المسلمين في كافة بقاع الأرض، خرج الإسلاميون من السجون ودخلوا البرلمان.

عليهم أن يضربوا المثل الحسن لنائب الشعب الحقيقي، النائب الذي لا يستغل عضويته في البرلمان حتى يصبح من ذوي الأملاك، ولا يستغل عضويته ليحصل على امتيازات خاصة من الحكومة لشركته أو تجارته أو صناعته، النائب الذي لا يستغل حصانته حتى يخالف القانون ويرتكب الجرائم من السرقة والنهب للمال العام، النائب الذي لا يستغل عضويته لتوظيف أقاربه في وظائف حكومية، بينما مئات الآلاف من الشباب لا يجد وظيفة بعد سنوات طوال من التعليم، وبعد أن حصدوا أعلى التقديرات، فليحذروا كل الحذر من أن تشوبهم شائبة، وليتذكروا جيدا أن من يضع نفسه في مواطن الشبهات لا يلومن الناس إن أساؤوا الظن به، فليتقوا الله في أنفسهم وفي الشعب الذي انتخبهم، وإذا تجاهل البعض ذلك وسار في طريق من سبقه، فليتبرأ منه الآخرون.

عليهم أن يحاربوا الفساد الذي استشرى في كل مؤسسات الدولة، حتى صار الفساد منهجا انتهجه النظام السابق كي يضمن بقاءه في السلطة، لأن الفاسد لابد أن يفسد الآخرين حتى لا يطالبون بمحاربة الفساد، والمهمة الأولى لهم تحت قبة البرلمان المصري –بخلاف قضايا قتل المتظاهرين ومحاكمة المسئولين ونقل السلطة- هي وقف نزيف الفساد، ولن تكون هناك نهضة ولن تحل مشاكل المجتمع دون وقف نزيف الفساد، وهذا يتطلب سن القوانين والتشريعات اللازمة التي تحارب الفساد وتمنعه وتأخذ على يد كل فاسد في أي منصب في الدولة، والتي لا تترك مجالا أو ثغرة للبعض من كبار المسئولين أن يتهربوا من المحاسبة والمساءلة.

على الإسلاميين أن يضعوا مشاكل الناس اليومية والحياتية الضرورية في أولى أولوياتهم، عليهم أن يبحثوا ويدرسوا هذه المشاكل جيدا، وعليهم أن يوجدوا حلولا لها، وأن يلزموا الحكومة أيا كانت، وفي نظام سياسي اتبعته البلاد، سواء كان رئاسيا أو برلمانيا أو مختلطا، أن تحل هذه المشاكل وأن يتابعوها ويراقبوها ويحاسبوها، ومعظم هذه المشاكل اليومية والحياتية الضرورية سهلة الحل، ولكنها تحتاج إلى إخلاص وإتقان ومتابعة، فإن توفرت هذه حلت معظم هذه المشاكل، وإن الشعب قد عاش عقودا طويلة يعاني من هذه المشاكل وقد تنفس الصعداء مع هذه الثورة، ولن يقبل بأن تستمر معاناته بهذا الشكل.

ستشكل حكومة جديدة قريبا، وقد تشكلها الأغلبية البرلمانية أو تكون حكومة توافقية، وعلى أي شكل كانت، فإنه يجب على النواب الإسلاميين أن يخلعوا عباءتهم الحزبية خارج مقر البرلمان في الجلسات التي يتم فيها مساءلة المسئولين ومحاسبتهم، وليحذروا كل الحذر من محاولة اختلاق الأعذار للمسئولين، فمهمة البرلمان هي الرقابة وليس اختلاق الأعذار، ليحذروا من تكرار ما كانت تفعله البرلمانات السابقة، من حماية الأغلبية البرلمانية لوزرائها ومسئوليها.

إن الفترة المقبلة تحتاج إلى التوافق بين القوى السياسية الوطنية التي تعمل لمصلحة البلاد بعيدا عن المصالح الشخصية والأهداف التي لا تمت لشعبنا ولا هويته بصلة، وهذا التوافق مطلوب، وإن عيون الناس ستبقى معلقة بهذا البرلمان، لذا فإن التنازع والخلافات المستمرة سيبغض الشعب فيهم، وينفره منهم ويبعده عنهم، فعليهم العمل من أجل التوافق والاستفادة من كل الخبرات الوطنية، لتحقيق المصالح العليا للشعب المصري، وأما من أصر على أن يفسد هذا التوافق، لغرض في نفسه ولمصلحة خاصة به، فسوف يعاقبه الشعب في أول انتخابات تجري مستقبلا.

على النواب الإسلاميين أن يثقوا في أنفسهم وفي الشعب الذي اختارهم، ولا يسمحوا لأحد أن يبتزهم أو يعمل على إرهابهم بأي شكل من الأشكال سواء من التيارات العلمانية واليسارية أو من المجلس العسكري، أو من الإعلام الفاسد الموجه، لأن الشعب الذي اختارهم لن يقبل منهم أي أعذار، ولن يستمع إليها من الأساس، وإن هناك الكثير من الأطراف التي ستسعى إلى الابتزاز والإرهاب الفكري، لجر النواب الإسلاميين إلى معارك كلامية داخل البرلمان وخارجه، وينسوا دورهم الأساسي، فيحقق هؤلاء مرادهم من تنفير الناس عنهم.

وليتذكر الجميع الجلسة الأولى لهذا البرلمان، ففيها من العبر والدروس الكثير، فإن من كان يجلس في هذا المجلس، يأمر وينهي، صار سجينا ذليلا؛ لأنه قدم مصلحته على مصلحة الشعب واستخف به، فأمهلهم الله فظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم من حيث لم يحتسبوا، وفي ثمانية عشر يوما فقط تهدم ذلك البنيان الذي بنوه في سنوات طوال، وإن ما كان سجينا مطاردا صار اليوم في هذا المجلس؛ لأنه التجأ إلي الله وصبر على البلاء، فمكنهم سبحانه وتعالى، وإنه ليبتليهم بهذا التمكين، فإن صبروا وثبتوا وأدوا ما عليهم، ثبتهم الله، وإلا فسيأتي بخير منهم، فإن دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة.

 

المقال منشور في موقع قاوم

http://ar.qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=8146&Itemid=1321

مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق