-->

معركة الأمعاء الخاوية .. أنموذج المعارك الناجحة

معركة الأمعاء الخاوية .. أنموذج المعارك الناجحة

 

مجدي داود

Mdaoud_88@hotmail.com

 

خاض الأسرى الفلسطينيون إضرابًا عن الطعام استمر 27 يومًا، كان عبارة عن معركة كبيرة مع الاحتلال الصهيوني، لاسترداد الحقوق المشروعة التي سلبها الاحتلال الصهيوني منهم، محاولًا إذلالهم والتنكيل بهم بعد الهزيمة التي مني بها في صفقة وفاء الأحرار والإفراج مكرهًا عن 1027 أسيرفلسطيني، بينهم قادة كبار من قيادة الحركة الأسيرة والمقاومة المسلحة، وبعد أن تأكد الأسرى أن الاحتلال الصهيوني ماض في جرائمه ضدهم، منتهكًا كافة الأعراف والمواثيق الدولية، وكافة الاتفاقات السابقة الموقعة بشأنهم، والتي كان آخرها ما تم التوافق بشأنه حول الأسرى ضمن صفقة وفاء الأحرار في شهر أكتوبر الماضي.

 

خاض الأسرى الإضراب بكل عزم وإصرار وثقة في الله ويقين في النصر، وأظهروا تحد لسلطات الاحتلال لا يمكن أن يظهره إلا الرجال الأشاوس الذين يدركون أنهم يخوضون معركة من أجل الحياة الكريمة، ومن أجل أهلهم وذويهم ومن أجل أجيال قادمة سترفع اللواء من بعدهم وتسير على نهجهم في مقاومة المحتل حتى آخر رمق، وثبت الأسرى حتى جاء النصر بفضل الله عز وجل أولًا، ثم بفضل القيادة المحكمة للمعركة قبل بدايتها، وطوال فترة المعركة التي استمرت طيلة أيام الإضراب، وهي بحق تحتاج إلى التفكير فيها لاستخلاص العبر والدروس منها.

 

معركة الأمعاء الخاوية هي معركة ناجحة بامتياز، ويعود ذلك لعدة أمور، يأتي على رأسها التخطيط والترتيب المحكم للمعركة، فالمعركة لم تبدأ أول أيام الإضراب، بل بدأت قبل ذلك بكثير، يوم أن بدأ الأسرى يتفقون على خوض ذلك الإضراب، ومن ثم بدأ الإعداد الجيد لتلك المعركة، والإعداد للمعركة –أي معركة- قبل أن تبدأ هو أمر مهم جدًا وضروري لضمان النجاح وتحقيق الأهداف، والإعداد الجيد يضع في الحسبان ردود فعل العدو والخطوات المضادة التي يمكنه القيام بها وكيفية مواجهتها، وهو أيضًا يتضمن تحديد مدى المعركة، وتحديد أهداف موحدة لهذه المعركة، تكون أساسًا للتفاوض مع العدو، وتحديد الأهداف التي يمكن المساومة فيها وما لا يمكن المساومة فيه مهما كان الثمن، وتحديد الأهداف بوضوح قبل بدء المعركة هو في حد ذاته أمر لابد منه، لأنه يضمن عدم التخبط في الخطوات والقرارات، والتحرك بخطوات محسوبة ومدروسة بعناية ودقة.

 

السبب الثاني لنجاح تلك المعركة هو اتفاق الأسرى داخل السجون الصهيونية على قيادة موحدة تقود المعركة مع سلطات الاحتلال الصهيوني، فبالنظر إلى الواقع الفلسطيني نجد الانقسام باد ظاهر في كل ما يخص القضية الفلسطينية، فحماس والجهاد من معهما من فصائل المقاومة في جانب، وسلطة أوسلو وحركة فتح وبقية الفصائل الكرتونية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير في جانب آخر، وبالتالي لو لم يكن قد تم الاتفاق على قيادة موحدة لتلك المعركة، لنجح الاحتلال في تفتيت صفوف الأسرى، واختراق صفوفهم، وإقناع البعض بإنهاء الإضراب مقابل بعض الامتيازات، والاحتلال بارع في تلك الأفعال القذرة لضرب خصمه وتحقيق النصر عليه أو على أقل تقدير منع الخصم من تحقيق هدفه والانتصار عليه، ولكن عندما وجد الاحتلال نفسه أمام قيادة موحدة، والتفاوض لا يكون مع غيرها، وأنه مهما ضغط على هذه الجهة أو تلك فلن يكون لذلك أي نتيجة، وعندما وجد لدى تلك القيادة الإصرار على نيل الحقوق لم يجد بدًا من الرضوخ في نهاية الأمر.

 

إن كان اختيار قيادة موحدة للإضراب خطوة مهمة، فإن الذي كان أكثر أهمية من ذلك، هي أن قيادة المعركة كانت جزءًا من تلك المعركة، وهذا يدل على مدى الوعي وسعة الأفق الذي يتمتع به الأسرى المضربون، أنهم لم يجعلوا القرار بيد غيرهم، بل هم من يضربون عن الطعام وهم أنفسهم من يقودون المعركة ويفاوضون المحتل، وهذا الأمر فيه ميزتين على الأقل:

 الأولى: أنه تدعيم للأسرى المضربين عن الطعام، فهم كانوا يشعرون أن القيادة جزء منهم، تعاني كما يعانون، تتألم كما يتألمون، تنتظر النصر والفرج كما ينتظرون، بل هم يستعجلون ذلك للضرر الذي يلحق بهم، أما إن كانت القيادة من الخارج فلربما سول الشيطان للأسرى أن قيادة الإضراب لا تشعر بهم ولا بمعاناتهم وأنهم يتاجرون بهم وغير ذلك.

 الثانية: هي رسالة قوية إلى سلطات الكيان المحتل، أن هذه القيادة التي تفاوضهم وتتجرع الألم والمعاناة وتصر على نيل حقوقها كاملة، هي قيادة قوية، لن تقبل بأنصاف حلول ولن تقبل المساومات الرخيصة، وأنها ما تجرعت ذلك الألم وما عانت تلك المعاناة، حتى تقبل في النهاية بذلك الفتات الذي ترميه إليهم سلطات الاحتلال الصهيوني.

 

السبب الرابع لنجاح تلك المعركة، هو سرية خطواتها، وسرية مراحل التصعيد التي تحركت بها قيادة الإضراب لممارسة ضغط على الكيان الصهيوني، فمن الإضراب عن الطعام فقط إلى الامتناع عن تناول الفيتامينات.. إلخ، حتى يوم التوقيع على اتفاق إنهاء الإضراب، وما كان سيحدث إذا لم يتم التوقيع على الاتفاق، كل هذه خطوات سرية تفاجئ المحتل وتجعله دومًا تحت ضغط لا يدري ما الخطوة القادمة، فهو دائمًا يترقب، وهذا مما يربك خططه لمواجهة الإضراب، فهو يعد خططه بناءًا على الخطوات التي اتخذها الأسرى المضربون، وبناءًا على توقعاته، لكن إذا فشل في توقع خطوات الأسرى، وجاءت على غير ما يعتقد وهو ما نظنه قد حدث، فإن خططه تكون بلا قيمة.

 

السبب الخامس؛ هو قدرة الأسير القائد على مفاوضة الكيان الصهيوني، فالمفاوض الصهيوني مفاوض مراوغ، يجيد المساومة والمماطلة ودق الأسافين، وإظهار نفسه كأنه يستطيع أن يفعل كل شئ، وأن خصمه ضعيف لا يقدر على شئ، وهو الأسلوب الذي يتعامل به مع السلطة الفلسطينية والدول العربية، وقد أدركت الحركة الأسيرة هذا الأمر منذ زمن وليس اليوم فقط، وقد اختارت لقيادة الإضراب رجالاً يعرفون جيدًا كيف يتعاملون مع الاحتلال الصهيوني ولا يخدعون بكلامه؛ التهديد منه والإغراء، بل يستطيعون أن يمارسوا هم ضغطًا عليه ويجبرونه على تنفيذ مطالبهم صاغرًا ذليلًا، أو يتحمل العواقب نتيجة تعنته.

 

فصائل المقاومة أيضًا كانت أحد أسباب نجاح تلك المعركة، فهذه الفصائل اتخذت منذ اليوم الأول قرارًا بإنجاح ذلك الإضراب، وظهر نوع من التناغم بين قيادة الإضراب داخل السجون والمعتقلات وبين قيادة فصائل المقاومة، فالتهديد المستمر من قبل قيادات المقاومة، بل من قبل أكبر قيادات المقاومة وأثقلها وزنًا والتي إذا قالت صدقت، وإذا وعدت أوفت، وإذا هددت أنجزت، جعل الاحتلال تحت ضغط كبير، وظهر هذا في التقارير الإعلامية التي أكدت أن هناك تخوفًا حقيقيًا لدى الكيان من مغبة استشهاد أي أسير فلسطيني، وأن أمرًا كهذا سيشعل المنطقة بأكملها، وهو ما أدى إلى حدوث تباين كبير في الرأي داخل المؤسسات الأمنية الصهيونية، فبين من يخشى من اشتعال الأوضاع بقوة وانفلاتها وخروجها عن السيطرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن يتخوف من أن فرض الأسرى لشروطهم سيعزز من قوتهم وقوة الفصائل التي تقف خلفهم، ويتخذون من الإضراب طريقة لفرض الشروط مستقبلًا.

 

وأخيرًا وليس آخرًا؛ الضغط السياسي الذي قامت به حركة حماس على مصر، واستدعاء بنود صفقة تبادل الأسرى ووضع مصر أمام واجبها كراع لتلك الصفقة، وكان من بنود الصفقة بعض مطالب الأسرى المضربين عن الطعام، فقامت حماس بدور سياسي في ذلك الأمر استند بالأساس إلى صمود الأسرى وثباتهم وتمسكهم بحقوقهم، ثم إلى غضب الشعب الفلسطيني الذي بات الجميع ينظر إليه بقلق.

 

كل هذه الأسباب مجتمعة وغيرها، هي التي أدت إلى نجاح معركة الأمعاء الخاوية، وهي دروس يجب أن نتعلمها، ويجب أن ننظر للمعركة مرارًا من أوجه وزوايا مختلفة حتى نستخرج منها العبر، فيعود ذلك إيجابًا على ما هو آت من معارك مع الاحتلال الصهيوني، فهذه لن تكون المعركة الأخيرة التي يخوضها الأسرى في السجون الصهيونية، فطالما هناك أسرى فهناك معارك، حتى يتم تبييض السجون الصهيونية من أي أسير فلسطيني.

 

صحفي مصري.

 

حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر

http://ar.qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=8209&Itemid=1314  

 



--
نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فإن ابتغينا العزة فى غيره أذلنا الله
مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق