-->

البراءة المؤجلة لمبارك .. انقلب السحر على الساحر

البراءة المؤجلة لمبارك .. انقلب السحر على الساحر

بقلم: مجدي داود

Mdaoud_88@hotmail.com

 

جاء الوقت الذي انتظره المصريون منذ سقوط رأس النظام العام الماضي، وقت النطق بالأحكام على الرئيس المخلوع حسني مبارك وولديه، وعتاة المجرمين من مسئولي وزارة الداخلية، حبيب العادلي وحسن عبد الرحمن وخمسة آخرين من كبار المسئولين الأمنيين، وما أن بدأ القاضي يخطب متحدثا عن جرائم عصابة مبارك طوال ثلاثين عاما حالكة السواد، حتى ظن الكثيرون أن العقاب الرادع هو الجزاء، ونطق القاضي بالحكم على مبارك ووزير داخليته، فسر البعض، إلا أن ذلك السرور تحول إلى غضب جم بأحكام البراءة التي حصل عليها عتاة المجرمين الباقين وعلى رأسهم جمال مبارك الذي كان يمني نفسه بالحكم، وحسن عبد الرحمن رجل أمن الدولة، وما أدراك ما أمن الدولة!!.

إن أحكام البراءة التي حصل مساعدو وزير الداخلية وما ذكره القاضي، من أنه لم يثبت لهيئة المحكمة أن الشهداء الذين سقطوا في التظاهرات، قد قتلوا برصاص الشرطة، لتعني بوضوح أن الحكم بالسجن المؤبد لحسني مبارك ووزير داخليته، ليس سوى حكما بالبراءة المؤجلة، لأن مبارك سيحصل على البراءة حتما حينما يتم الاستئناف أو النقض، وقد تفضل القاضي بذكر مبرر البراءة بنفسه عندما نطق بالحكم، ما يعني أن الحكم على مبارك والعادلي ليس من منطلق المسئولية عن أعمال القتل، بل على قرارهما السلبي بعدم العمل على وقف القتل أو ترك الجريمة تحدث، ولا يوجد بالقانون المصري عقوبة لهذا الأمر، ولم يحدث أن طبق في مصر إلا مرة واحدة فقط، وفي الغالب –حسبما يرى الفقهاء- أن المحكمة إما أن تبرئهما أو تثبت التهمة على مساعدي الوزير، حتى وإن لم تصدر محكمة النقض أحكاما بالبراءة لمبارك ووزير داخليته، فإنه سيكون من السهل واليسير على أحمد شفيق حال فوزه بالرئاسة أن يصدر عفوا عن مبارك والعادلي.

لم يكن اختيار هذا التوقيت من قبل المحكمة للنطق بالحكم اختيارا عبثيا، فقد اختير هذا التاريخ بعناية ليكون بين جولتي الانتخابات الرئاسية، حتى يحققوا من ورائه أكبر استفادة ممكنة، فلقد ظنوا أن الحكم على مبارك ووزير داخليته بالسجن المؤبد سيفرح أغلب الناس فيتغاضوا عن بقية الأحكام التي صدرت ضد نجلي ومعاوني وزير الداخلية، وأنهم سيفسرون ذلك وكأن المجلس العسكري وفى بما وعد، وأن أعضاء المجلس صادقون ومخلصون، وأن ذلك نظام مبارك لن يعود مرة أخرى في حال انتخاب المرشح المدعوم من المجلس العسكري –وهو شفيق حاليا- وفي ظل خطة التشويه المعتمدة للمرشحين الثوريين الذين يخشاهم النظام، ويمثلهم حاليا محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين، يتجه الناس للتصويت للمرشح المدعوم من المجلس العسكري الذي يظنون فيه عودة للأمن والاستقرار اللذين يفتقدونهما منذ اندلاع الثورة وحتى يومنا هذا.

كان المجلس العسكري أيضا يتوقع قيام شباب الثورة ببعض التظاهرات في القاهرة وبعض المحافظات على نطاق ضيق، خصوصا أننا في فصل الصيف ويصعب الاعتصام، وأن هذا موعد اختبارات الجامعات، ومع عودة الإعلام إلى سابق عهده أيام نظام مبارك، حيث يتم تشويه الثوار وإلصاق التهم بهم، من تخريب واعتداءات وقطع الطرق وغير ذلك، في ظل أزمة البنزين المفتعلة هذه الأيام، فتكون النتيجة في النهاية مزيد من كره الناس للثورة، وانصرافهم عنها، وكل هذا في صالح المرشح المدعوم من المجلس العسكري، الذي ينوي معاقبة الثوار على جرائمهم المزعومة وإعادة الأمن والاستقرار.

هذا الحكم الهزلي في هذا التوقيت كان يهدف إلى بث شعور عام لدى الثوار وغيرهم ممن يكره نظام مبارك ولا يرضى بعودته أبدا في أي صورة كان، باليأس والإحباط وأن الثورة فشلت، وأن نظام مبارك الذي حلموا بالتخلص منه سيبقى بل سيزداد رسوخا، وأنهم يفعلون ما يشاءون دون التفات للشعب، وما يتبعه ذلك من انصراف بعضهم عن الاهتمام بالسياسة وشؤونها، ومقاطعة الانتخابات، وعدم التفكير في الاعتراض على الرئيس القادم، مما سيكون في صالح مرشحهم في الانتخابات، وفي صالحه بعد الفوز أيضا.

ومن نتائج هذا الحكم أيضا أن الأمل قد تضاءل بشكل كبير جدا في إمكانية عودة أي من الأموال المهربة للخارج، وهي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، بعد براءة المتهمين في قضايا الكسب غير المشروع واستغلال النفوذ.

كذلك فإن عدم إدانة مبارك بإصدار أوامر القتل ولكن بالمسئولية السياسية، تعني وجود مخربين وإرهابيين كما يحاول البعض ترويج تلك الأكاذيب، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه، لاتهام الثوار بالتخريب والتدمير ومهاجمة الأقسام ومخالفة القانون وارتكاب أعمال قتل وقنص، ومن الطبيعي في هذه الحالة أن تتجه معظم الاتهامات إلى الإسلاميين بشكل عام، وجماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص كونها جماعة منظمة أقلقت الطغاة على مدار ثمانين عاما، وسيكون لشباب الثورة الفاعلين من غير الإسلاميين نصيب من تلك الاتهامات، وستفتح السجون من جديد لاستقبال هؤلاء، وقد بدأ هذا المخطط بالفعل بعد سويعات قليلة من الحكم، حيث بدأت إحدى الفضائيات المعروفة بعلاقاتها مع المجلس العسكري ونظام مبارك بالترويج لهذا الأمر.

رغم أن المجلس العسكري قد استطاع خلال الأشهر الماضية تفريق الثوار بل وزرع البغضاء بينهم، إلا أنه بهذا الحكم قد أدى إلى ما لم يكن بحسبانه، وما لم يكن يتوقعه، فما أن نطق القاضي بحكم البراءة لنجلي مبارك، ومساعدي وزير الداخلية، حتى انتفض الآلاف من المصريين، رافضين تلك الأحكام الهزلية، وخرجوا إلى الميادين رغم حرارة الجو، وذابت كل الفروق، وكأنه اليوم التاسع عشر من أيام الثورة المصرية، حيث لا توجد لافتات حزبية ولا حركية، ولا يوجد اتهامات متبادلة بين الثوار وبعضهم البعض، حتى الكنيسة فعلت كما فعلت سابقا حيث رفضت التظاهرات ورحبت بالأحكام، أراد المجلس أن يعيدنا إلى ما كنا عليه قبل الثورة، فأبى الشعب إلى أن يعود إلى ما بعد 11 فبراير.

إن الجماهير الغفيرة التي تتواجد في ميادين مصر في فرصة عظيمة لن تتكرر، تحتاج إلى اتفاق القوى السياسية المخلصة التي تريد مصلحة الوطن وتعليها على كل شئ، حول كيفية تعظيم مكاسب الثورة وتحقيق أكبر فائدة ممكنة من هذا الحشد الجماهيري، والضغط على المجلس العسكري بقوة لتسليم السلطة والعودة لثكناته وتفرغه لدوره الرئيسي في حماية حدود البلاد، سواء عن طريق استكمال المسار الديمقراطي مع وقف التزوير بكافة أشكاله وتطبيق قانون العزل السياسي، أو بأي شكل آخر يتفق عليه الثوار، لكن لا يجب بأي حال استكمال الانتخابات وفقا لما كانت عليه الأمور قبل الحكم، فهذا هو الفخ الذي وضعه العسكر ويجب الابتعاد عنه نهائيا.

يجب استغلال ذلك الزخم الثوري والضغط على المجلس العسكري لإزاحة رموز نظام مبارك من المناصب المهمة والحساسة والمؤثرة، والتوقف عن اللعب بالوطن لمصالح فئات مشبوهة، وتغيير النائب العام فورا، والحذر كل الحذر من التنازع بسبب المناصب التي لم يحصلوا عليها بعد، فإن المجلس العسكري يلعب مع الثوار لعبة "عض الأصابع" فهو يتوقع أنهم سيختلفون سريعا وينفض المتظاهرون من الميدان، فلا يتعب نفسه بالرد عليهم أو تقديم تنازلات ليس مضطرا إليها، أما إن اتحدوا واتفقوا، فسوف يقيم الأوضاع ويقدم التنازلات بناء على هذا التقييم.

وإنه ليجب على البرلمان اليوم أكثر من أي وقت مضى -كما أن الوقت في صالحه- أن يصدر بعض التشريعات الهامة التي كان يجب أن تصدر فور انعقاده، وعلى رأسها قانون السلطة القضائية، الذي يضمن استقلال القضاء من أي تأثير من قبل السلطة الحاكمة، وقانون إعادة هيكلة وتطهير وزارة الداخلية، وقانون المسئولية السياسية وتجريم المشاركة السلبية في الجرائم، وقانون عزل سياسي حقيقي، ليس فقط لبضع عشرات من نظام مبارك، بل لكل من تسبب في الفساد وهدم وتخريب البلاد، فهذه الفرصة لن تتكرر، ويجب تعظيم المكاسب منها.

 

http://islammemo.cc/Tkarer/Tkareer/2012/06/04/151023.html



--
نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فإن ابتغينا العزة فى غيره أذلنا الله
مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق