-->

صلاحيات الرئيس والعلاقة مع المجلس العسكري

مجدي داود - البيان


تخضع مصر لحكم رجال الجيش منذ ثورة 52 حتى تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك، تحت ضغط شعبي، ورغبة من الجيش في التخلص من جمال مبارك نهائيًّا؛ لأنه رجل مدني، وهم لم يكونوا يريدون رئيسًا مدنيًّا، وهو ما كان يتردد في التقارير الإخبارية بالصحف الغربية قبل الثورة.

ظهرت إشكالية كبيرة فور سقوط مبارك، وهي إمكانية قبول القوات المسلحة لوجود رئيس مدني للبلاد من عدمه، وكان الحديث في هذا قليلاً، حتى ظهرت وثيقة المبادئ فوق الدستورية التي عرفت باسم وثيقة "علي السلمي"، والتي تضمنت بندين، تجعلان من القوات المسلحة دولة داخل الدولة، حيث نصت على أن يختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره بالنظر في كل ما يتعلق بالشئون الخاصة بالقوات المسلحة ومناقشة بنود ميزانيتها، ويختص دون غيره بالموافقة على أي تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره، وألا يعلن رئيس الجمهورية الحرب إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الشعب، وتشكيل مجلس الدفاع الوطني يختص بالنظر في الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها.

سقطت وثيقة السلمي بعد مليونية 18 نوفمبر وما تلاها من أحداث "محمد محمود" الدامية، واعترف اللواء ممدوح شاهين بعد ذلك بأنهم وراء وثيقة السلمي، إلا أن ذلك الأمر عاد مجددًا، بقرار منح الضبطية القضائية لرجال المخابرات الحربية والشرطة العسكرية، إلا أنه ظهر بشكل واضح للجميع في الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري مساء يوم الأحد 17 يونيو الجاري، مع ظهور المؤشرات على تقدم الدكتور محمد مرسي واقترابه من حسم منصب الرئاسة، فجاء الإعلان المكمل فجاً، يجعل من منصب رئيس الجمهورية منصبًا شرفيًّا، بينما تؤول الصلاحيات الحقيقية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وعلى رأسها صلاحيات التشريع واعتماد الموازنة العامة للدولة، بعد حل البرلمان، وحق التدخل في أعمال الجمعية التأسيسية لعمل مشروع الدستور، أو تشكيل جمعية جديدة، بالإضافة إلى ما ورد في وثيقة السلمي، ثم أصدر قرارًا بتعيين أحد رجال القوات المسلحة في ديوان رئيس الجمهورية، لتضييق الخناق عليه.

هذا الإعلان الدستوري الذي يقلّص صلاحيات الرئيس يراه الكثير من المراقبين، انقلابًا دستوريًّا، أو انقلابًا عسكريًّا بغطاء دستوري، وأنه في ظل هذا الإعلان الدستوري فإن الصدام حتمي بين الرئيس المنتخب والمجلس العسكري الذي يريد أن يجعل من نفسه دولة فوق الدولة، وأن هذه الصلاحيات لم تكن موجودة في أي دستور من قبل، وحذروا من خطورة إصرار المجلس العسكري على التمسك بهذا الإعلان الدستوري.

جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة أعلنوا رفضهم هذا الإعلان الدستوري، وأعلنوا الاعتصام في ميدان التحرير حتى إلغاء كل هذه القرارات والإعلان الدستوري، بينما يصر المجلس العسكري على موقفه، في حين أنه لم يتبق سوى ثلاثة أيام على أداء الرئيس الجديد اليمين الدستورية لاستلام مهامه بشكل رسمي، وهو ما يعني أن الرئيس قد يؤدي اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، بما يعنيه من اعتراف بشرعية الإعلان الدستوري المكمل.

لم يكتفِ المجلس العسكري بما أعلنه فقط، بل إن الأمر بلغ حد التدخل في اختيار وتسمية وزراء المحكومة التي سيبدأ الرئيس المنتخب في تشكيلها، وبخاصة الوزارات السيادية، مثل الدفاع والخارجية والداخلية، وهو ما نقلته وكالة أنباء الأناضول عن مصادر بجماعة الإخوان المسلمين.

يرى الدكتور محمد قرقر الأمين العام لحزب العمل أن الإعلان الدستوري المكمل يمكّن المجلس العسكري من البقاء في الساحة السياسية لمدة قد تصل إلى 7 شهور، لحين وضع الدستور الجديد حتى يتمكن من إدخال نصوص تحصنه، والتي كانت قد وردت في وثيقة "علي السلمي"، معتبراً أن فوز مرسي جاء على وقع انقلاب عسكري ناعم.

لقد تولى المجلس العسكري مقاليد الحكم منذ 11 فبراير من العام الماضي، ارتكب خلالها الكثير من الأخطاء، وسالت في عهده الكثير من الدماء، يشير الكثيرون إلى تورطهم فيها، من بينها أحداث مسرح البالون، وأحداث محمد محمود، وأحداث مجلس الوزراء، ومذبحة بورسعيد، وأخيرًا مذبحة العباسية، والتي استعان فيها الجيش بالبلطجية، ورآهم الناس ينزلون من عربات الجيش، وبالتالي فهم يريدون أن يحصلوا على حصانة من المساءلة والمحاكمة، على كل تلك الجرائم وغيرها.

ويرى الخبراء الاقتصاديون أن الجيش المصري يتحكم في 40% من الاقتصاد المصري، وله شركاته وأعماله الخاصة، حتى أنه أقرض الدولة خلال الفترة الانتقالية الماضية مليار دولار من ميزانيته الخاصة، وقال اللواء محمود نصر مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية "أموال الجيش ليست من أموال الدولة، ولن نسمح للدولة بالتدخل فيها؛ لأنها ستخربها وسنقاتل دفاعاً عن مشروعاتنا، وهذه معركة لن نتركها والعرق الذي ظللنا ٣٠ سنة لن نتركه لأحد آخر يدمره، ولن نسمح لغيرنا أياً كان بالاقتراب من مشروعات القوات المسلحة".

ويحصل الجيش المصري على معونة من الولايات المتحدة بقيمة 1,3 مليار دولار، تأتي في صورة أسلحة وذخائر وصيانة للأسلحة الموجودة، ويحصل الجنرالات على عمولات كبيرة من كل صفقات السلاح، وليس من السهولة أن يتخلى هؤلاء الجنرالات عن تلك الامتيازات، بمجرد وصول رئيس مدني منتخب.

ويعزز وصول الدكتور محمد مرسي القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين، إلى منصب الرئاسة، مخاوف المجلس العسكري من تغيير في السياسة الخارجية لمصر، وبخاصة تجاه الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما قد ينعكس سلبًا على علاقة المجلس العسكري بالولايات المتحدة التي يحقق من ورائها مكاسب مادية كبيرة، وقد استبق المجلس العسكري ذلك بإرسال رسالة طمأنة إلى الكيان الصهيوني، بأنه سيحافظ على العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع الكيان الصهيوني.

سيعمل المجلس العسكري أيضًا على منع تغيير العقيدة الأمنية لوزارة الداخلية وجهاز المخابرات العامة، ومنع تغول جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي في تلك الأجهزة، حتى لو كانوا أكفاء لذلك، وسيظل متحكمًا في وزارة الداخلية لفترة من الزمن، فالعلاقة بين المجلس العسكري والرئيس الجديد، هي علاقة تربص كل طرف بالآخر، فكل طرف يتحين الفرصة ليبعد الآخر عن طريقه.

يقول الدكتور محمد محسوب عميد كلية حقوق جامعة المنوفية: "إن الرئيس مرسي سيواجه نزاعاً حتمياً مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة على سلطات الرئيس، لاسيما بعد انتزاع العسكري لتلك الاختصاصات في الإعلان الدستوري المكمل، ما سيجعل معركة الرئيس المنتخب الأولى معركة فُرضت عليه، ولا يستطيع التخاذل أمامها، ويستوجب على الرئيس المنتخب إعادة الاحتضان للقوى الوطنية للتوحد في معسكر الثورة في مواجهة قوى النظام القديم البائد"، واقترح تعيين رئيس مستقل، تتاح له حرية اختيار وزرائه مع مراعاة تخوفات المجلس العسكري، ويمارس صلاحيات المجلس العسكري ورئيس الجمهورية، لحين وضع الدستور الجديد وإجراء انتخابات برلمانية.

ويرى العديد من المراقبين، أنه يجب على الرئيس الجديد أن يُجرِي مصالحة وطنية بأسرع وقت، ليشكل تحالفًا وطنيًّا، يسانده في موقفه ضد المجلس العسكري، حتى ينتزع صلاحياته المستقرة في الدساتير المصرية، ولكي يبدد مخاوف المجلس العسكري من قيام الرئيس الجديد وحكومته بتغييرات جذرية لا تتحملها البلاد في المرحلة الراهنة، ويبدد بعض مخاوف القوى الوطنية الحريصة على مصلحة البلاد، والتي يسعى العسكري إلى جذبها لجانبه، كما اجتذب القوى العلمانية الكرتونية، فلا يكون أمام المجلس العسكري سوى الرضوخ لمطالب تلك القوى مجتمعة وتسليم السلطة، إلا أنه سيحتفظ ببعض المميزات غالبًا.

ويحذر الخبراء من استفراد المجلس العسكري بالرئيس ومن خلفه جماعة الإخوان المسلمين فقط، وحدوث صدام بينهما، يترجم في حدوث حالة من الفوضى في البلاد، تستدعي تدخل القوات المسلحة، وترفض الانصياع لأوامر الرئيس، وهو ما تردد أن الفريق سامي عنان رئيس الأركان ذكره لرئيس البرلمان الدكتور محمد سعد الكتاتني، عندما أصر على إلغاء الإعلان الدستوري والتراجع عن حل البرلمان المنتخب.

ويشدد الخبراء على أن المعركة مع المجلس العسكري، يجب أن تُدَار بمهارة وحِرَفية، بعد دراسة لأوراق قوة المجلس العسكري، وردود أفعاله في كل السيناريوهات، وأيضًا تحديد أوراق قوة الرئيس المنتخب والقوى التي تقف خلفه، ومواطن الضعف التي قد يتسلل منها المجلس العسكري ويستغلها، وسد كل هذه الثغرات، لتحقيق أفضل مكاسب ممكنة.

:: موقع مجلة البيان الالكتروني


http://albayan.co.uk/article2.aspx?ID=2114
--
نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فإن ابتغينا العزة فى غيره أذلنا الله
مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق