-->

فرص نجاح المبادرة المصرية بشأن سوريا

فرص نجاح المبادرة المصرية بشأن سوريا

مجدي داود

Mdaoud_88@hotmail.com      

 

تقدمت مصر بمبادرة جديدة لحل الأزمة السورية وإنهاء المعارك الدائرة بين نظام بشار الأسد، والشعب السوري الذي يسعى لإسقاط ذلك النظام، المبادرة تتمثل في تشكيل "مجموعة اتصال رباعية" تتكون من تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية إلى جانب مصر، بحيث تقوم كل من إيران وتركيا بالضغط على النظام السوري والمعارضة من خلال العلاقات الوثيقة بينهم، لتقديم تنازلات من جانبهم من أجل الوصول إلى حل للأزمة، في حين تقوم كل من مصر والسعودية بدور الوسيط بين الجانبين والمراقب لمدى تجاوبهم بما اتفق عليه.

تعتمد المبادرة المصرية التي قدمها الرئيس محمد مرسي خلال مشاركته في قمة منظمة التعاون الإسلامي التي عقدت في مكة المكرمة في منتصف شهر أغسطس، على الحلول السلمية، في الإطار الإقليمي، بعيدا عن التدخلات الدولية من الغرب أو الشرق أو حتى من المجتمع الدولي، فالمبادرة تجمع بين الدول الأربع ذات الثقل الإقليمي، وهي إيران وتركيا والسعودية ومصر، وإن كانت قد تجاهلت قطر وهي لاعب عربي أساسي في تلك القضية، بل قد تكون أهم لاعب عربي خلال الفترة الماضية، كما أن المبادرة لم تتجاهل الدور الإيراني في الأزمة السورية، إلا أنها اعتبرته جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة، رغم أنها بالفعل جزء من المشكلة، وهي أول مبادرة من نوعها تهتم بالدور الإيراني في هذه الأزمة، وتجعله طرفا أساسيا في حل المشكلة!!.

المبادرة المصرية تطرح حلا سياسيا للأزمة، في وقت بات فيه الجميع وبخاصة المعارضة السورية سواء السياسية منها أم المسلحة، على قناعة بأن الحلول السياسية لم تعد تجدي نفعا مع نظام بشار الأسد، بعد أن تخطى نظام الأسد كل الخطوط الحمراء، وارتكب المئات من المجازر، ودمر مدنا وأحياء بأكملها، وسقط أكثر من عشرين ألف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين ونحو ثلاثمائة لاجئ.

والسؤال الذي يُطرح الآن، ما هي فرص نجاح المبادرة المصرية في هذا الوضع المتأزم؟!

للإجابة على هذا السؤال، يجب معرفة مواقف الدول والقوى المؤثرة في الأزمة السورية، وعلى رأسها إيران وتركيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا بالإضافة إلى روسيا والصين، أما عن إيران فقد أعلن مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ترحيب بلاده بهذه المبادرة المصرية، وهذا ليس بغريب عن إيران، فهي ترحب بهذا النوع من المبادرات، التي تجعل من إيران طرفا في القضية، وفي ذات الوقت لا تحمل إشارات إلى التدخل الأجنبي أو تدويل القضية، وكذلك لا تحمل تصريحا بضرورة رحيل بشار الأسد عن السلطة، فحيث تسعى إيران لتصوير الأمر على أنه صراع على السلطة بين طرفين، وتريد تقسيم المسئولية بين نظام بشار والمعارضة السورية.

ستتلقف إيران هذه المبادرة، وقد تسعى إلى ترويجها كما سارعت بالترحيب بها، فهي تعتبرها وسيلة لمنح نظام الأسد وقتا إضافية لاستكمال أعمال القتل والمجازر بحق الشعب السوري، وتضييق الخناق على المعارضة السورية والمسلحة منها بشكل خاص، وفي ظل هذه المراوغة فإن المبادرة لا تلزم إيران بشئ حقيقي يمكن تلمسه، فقد يقوم نظام الأسد بتقديم تنازلات شكلية لا تسمن ولا تغني من جوع، وتتباهى إيران بأنها وحليفها قدموا تنازلات بينما المعارضة لم تفعل وهي التي تعرقل المبادرة المصرية.

يلعب الموقف الغربي والدولي عموما من تلك المبادرة دورا كبيرا في تحديد مدى نجاحها أو فشلها، فالأزمة السورية أزمة عميقة متجذرة، وباتت سوريا ساحة صراع خفية بين القوى الدولية والإقليمية، وهذه القوى لها مصالح في سوريا تريد الحفاظ عليها سواء سقط النظام أو بقي، المهم أن يكون لها قدم فيما هو آت، ولن تسمح هذه القوى لأي مبادرة أن تنجح إذا لم تكن تحقق أهدافها وتحافظ على مصالحها، وفي ظل تضارب هذه المصالح، وعجز مصر عن فرض المبادرة وإلزام الجميع بها، فإن الدول الغربية بالإضافة إلى روسيا ستضع العراقيل أمام تلك المبادرة لضمان فشلها.

كما أن الدول الغربية ترفض حتى الآن أن تكون إيران جزءا من أي مبادرة لحل الأزمة السورية، وعندما طالب كوفي أنان سكرتير عام الأمم المتحدة سابقا والمبعوث الدولي – العربي السابق بشأن سوريا، بإشراك إيران في أي مسعى لحل الأزمة في سوريا، لم تجد مطالبه أي صدى لدى الدول الغربية، ولعل هذا هو أحد أسباب تنحي الرجل عن مهمته واعترافه بفشله فيها، وهو السياسي المخضرم المحنك، فما لم يتغير الموقف الغربي من هذه القضية ويقبل بالاعتراف بالدور الإيراني، فإن فرص نجاح تلك المبادرة ستتضاءل إلى أبعد مدى، وهذا هو الأرجح، لأن الغرب يرى أن الهلال الشيعي في خطر وجودي في حال تغير النظام في سوريا، وبالتالي فزوال ذلك النظام –بالشكل الذي يريده الغرب- فرصة لكسر الطموح الإيراني.

يتحدد مدى نجاح تلك المبادرة كذلك على الموقف التركي منها، لأن موقف تركيا اليوم بات حرجا، بسبب الهجمات التي شنها حزب العمال الكردستاني مؤخرا، والتي أعلن مسئولين أتراك أنهم يرجحون وجود علاقة بينها وبين النظام السوري، كما ذكر مسئولون أن قد توافرت لديهم معلومات حول دعم نظام الأسد لحزب العمال الكردستاني بأسلحة ثقيلة، وهذه التطورات تجعل تركيا أكثر إصرارا على رحيل النظام السوري في أسرع وقت ممكن، قبل أن تسوء الأمور أكثر، لهذا فهي قامت بحشد الكثير من قواتها العسكرية قرب الحدود السورية، لمواجهة أي تطورات والتدخل العسكري في سوريا إذا لزم الأمر، لمنع حصول الأكراد على حكم ذاتي في سوريا أو على سلاح ثقيل، يعرض أمنها القومي للخطر.

من الغريب في هذه المبادرة أنها لم تتحدث عن مصير بشار الأسد، فهي لم تطالب صراحة بضرورة رحيل زعيم النظام السوري، وإن كان الرئيس المصري قد شدد على رحيله في لقاء متلفز له، إلا أن المبادرة خلت من ذلك الأمر، وإلا لما قبلت بها إيران الحليف الأول والأقرب للنظام السوري وبشار الأسد، وقد خلت كلمته في قمة عدم الانحياز من المطالبة برحيل الأسد، وهذه النقطة قد تسبب فشل المبادرة كلها في أي لحظة، لأنه إذا طالبت مصر –صاحبة المبادرة- بضرورة رحيل بشار الأسد، فإن إيران لن تقبل بذلك وستفشل المبادرة، أما إذا لم تطالب فقد تجد رفضا من جانب المعارضة السورية التي تجعل تنحي الأسد شرطا مسبقا قبل أي حوار مع النظام السوري.

يبقى موقف النظام السوري والمعارضة سواء المسلحة أو السياسية، أم النظام السوري فهو لا يعارض تلك المبادرة، لأنها لا تلزمه بشئ حقيقي يمكن قياسه وتلمسه، كما أن إيران لن تقوم بالضغط عليه كما تنص المبادرة، بل ستكون فرصة لزيادة أعمال القتل كما أسلفنا.

أما المعارضة السورية فهناك المعارضة السياسية والمسلحة، فالمعارضة السياسية ليست ذات قرار على الأرض، وحتى إن وافقت على أي حل فلن يمكنها تطبيق ذلك على الأرض حيث لا نفوذ لها، وقد أعلن المجلس الوطني رفضه لهذه المبادرة، ويبقى القرار في قبولها أو رفضها للمعارضة المسلحة التي تخوض قتالا عنيفا داخل الأراضي السورية، وتسابق الزمن لتضييق الخناق على نظام بشار الأسد، فهي أعلنت مرارا أن النظام السوري قضى على كل الحلول السياسية، وهو يسعى لإشعال الحرب الأهلية في البلاد، وأي فرصة لبقاء ذلك النظام تعني زيادة أعمال القتل والمجازر والمذابح التي ترتكب بشكل شبه يومي، وتقسيم البلاد، والانتقام من كل من رفع السلاح في وجه النظام والمناطق التي أيدت الثوار، أي أن القبول ببقاء نظام الأسد بأي شكل من الأشكال يعتبر انتحارا للمعارضة المسلحة.

يبدو في ظل هذه الظروف والتعقيدات أن فرص نجاح هذه المبادرة ضعيفة، خصوصا أن مصر لا تزال تخطو خطواتها الأولى نحو استعادة دورها الخارجي القيادي المؤثر، الذي غيب تماما في ظل النظام السابق، ولو أن هذه المبادرة في وقت استعادت فيه مصر دورها وتأثيرها، لكانت فرص نجاحها أكبر من ذلك.

 

نشر في موقع مفكرة الإسلام

http://islammemo.cc/Tkarer/Tkareer/2012/08/31/154961.html



--
نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فإن ابتغينا العزة فى غيره أذلنا الله
مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق