-->

التوراة المحرفة في مناهج التعليم.. لماذا وكيف نواجهها؟

التوراة المحرفة في مناهج التعليم.. لماذا وكيف نواجهها؟


مجدي داود


Mdaoud_88@hotmail.com


فوجئ طلاب المرحلة الثانوية في مصر وأولياء أمورهم، بأن وزارة التربية والتعليم أدخلت للمرة الأولى على مدار التاريخ، فقرات مما يسمى "الكتاب المقدس" لدى النصارى، في مناهج التربية الوطنية الجديدة للصف الثاني والثالث الثانوي، وهي معظمها نصوص من العهد القديم "التوراة".

 

موقف غريب لم تعلن عنه الوزارة من قبل، صدم أولياء الأمور والطلاب، بل وكل مسلمي مصر، وربما يكون مفاجئًا أيضًا لكبار المسئولين في الدولة، فلماذا وضعت هذه النصوص؟ ولماذا الآن تحديدًا؟ وما خطورتها على هوية الطلاب وعقيدتهم؟ وهل له علاقة بالنشاط التنصيري في مصر الذي تقوده الكنيسة القبطية؟.

 

محاولات مستمرة:

 

إن محاولات المسيحيين في مصر لتمييع هوية الشعب المصري مستمرة، ومحاولتهم حذف النصوص القرآنية من المناهج الدراسية في اللغة العربية ومواد الدراسات الاجتماعية لم تتوقف؛ ففي عددها الصادر يوم الأحد، الموافق الرابع عشر من فبراير عام 2010، كشفت صحيفة المصريون النقاب عما أسمته تدشين الكنيسة المصرية حملة توقيعات ضخمة بين النصارى لحذف النصوص القرآنية من المناهج الدراسية المصرية، استجابة لتوصيات مؤتمر الهيئة القبطية الهولندية ومنظمات أقباط المهجر التي طالبت بإبعاد النصوص الإسلامية من قرآن وسنة وشعر وتاريخ من مناهج التعليم المصرية، خاصة مناهج اللغة العربية والدراسات الاجتماعية، وكراسات الخط العربي.

 

إلا أن هذه المحاولات قوبلت بالرفض، خصوصًا أن النصوص القرآنية الموجودة في هذه المناهج، ليست موجودة باعتبارها نصوصًا دينية، بل باعتبارها نصوصًا أدبية وبلاغية من الدرجة الأولى، وهو أمر غير متوفر في النصوص المأخوذة مما يسمى بـ"الكتاب المقدس"، فهي كلها نصوص مترجمة عن اليونانية أو الآرامية أو السريانية، وليس فيها حس جمالي ولا يستنبط منها قواعد لغوية.

 

بعد اندلاع الثورة، وعندما حان وقت الانتخابات الرئاسية، حاول المرشح الخاسر أحمد شفيق جذب الكتلة التصويتية لمسيحيي مصر، من خلال إعلانه عزمه إضافة نصوص مما يسمونه الكتاب المقدس أو الإنجيل في المناهج الدراسية مع النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، أو حذف النصوص القرآنية والأحاديث من المناهج، وقد تسبب هذا الموقف في هجوم شرس عليه من قبل الجماعات الإسلامية كافة، ومن قبل عموم المسلمين في مصر، بل حتى ظهرت بعض الأصوات المسيحية، تحذر من أن شفيق يتاجر بالدين، ويحاول جذب الأصوات المسيحية فقط، وسيتنكر لوعوده بعد ذلك.

 

لكن خسر شفيق، وفاز الدكتور محمد مرسي، مرشح الإخوان المسلمين في الجولة الأولى، وهو الذي وقف خلفه التيار الإسلامي كله في الجولة الثانية، ولكن فوجئ الجميع بنصوص مما يسمى "الكتاب المقدس" في المناهج الدراسية.

 

مبررات الدولة:

 

قال الدكتور صلاح عرفة مدير تطوير المناهج بوزارة التربية والتعليم في اتصال هاتفي مع برنامج (الميدان) على قناة (التحرير) الفضائية: "إن الأمر يتعلق بحقوق الإنسان والمواثيق، وحقوق الإنسان في الشرائع السماوية الثلاث؛ اليهودية والمسيحية والإسلام، وكلها تتعلق بعدم ظلم الإنسان وعدم اضطهاده،وتدور حول العدل والحرية والمساواة والتسامح، ولم يتم وضع نصوص من الإنجيل ولا التوراة لتدريسها، بل كلها تدور حول حقوق الإنسان، وليس لها أي علاقة بالعقائد ولا النواحي الدينية والتصورات وما شبه ذلك".

 

ويقول الدكتور وصفي حكيم، وهو أحد واضعي كتاب التربية الوطنية للمرحلة الثانوية، في تصريحات لصحيفة الشرق الأوسط: "جاءت النصوص في سياق دراسة مبادئ حقوق الإنسان في الديانات السماوية، واستعنا في هذا الإطار بنصوص من القرآن والإنجيل، وأشرنا إلى تكريم الإسلام ومعاملته لغير المسلمين، والحقوق التي أعطاها لهم، كما تحدثنا عن حقوق المرأة في الديانات الثلاث، وهو أمر عادي لا شيء فيه".

 

ويضيف: "حرصنا خلال وضع هذه المناهج على التركيز لإثراء فكر الطالب بالمعلومات، وتشكيل رؤية سليمة حول حقوق الإنسان، وأنا مسيحي ولكن الجزء الذي تضمن نصوصًا للإنجيل وضعه زميل لي مسلم، ونحن نهدف لتطوير المناهج بما يواكب العصر وتفتح أذهان الطلاب، وتسعى الوزارة خلال العامين القادمين إلى تطوير كافة مناهج المرحلة الثانوية لتواكب التطورات التي يعيشها المجتمع المصري".

 

إلا أن الواقع يقول غير ذلك، فكثير من النصوص التي وضعت في الكتب ًا، لا يمكن أن يقبله أي مسلم، ولا يمكن لأي مسلم أن يقبل أن يدرس أولاده تلك النصوص التي إن اقتنع بها المرء يصير خارجًا عن ملة الإسلام، مثل التأكيد على أن (المسيحية) لا تميز بين الرجل والمرأة، بل تؤكد المساواة الكاملة وتحرم الطلاق وتعدد الزوجات.

 

وكذلك ما جاء تحت بند حرية الاختيار وتقرير المصير فى الإصحاح 30 من سفر التثنية: "فاختار الحياة لتحيا أنت ونسلك"، وهو مأخوذ من النص الكامل: "ويأتي بك الرب إلهك إلى الأرض التي امتلكها آباؤك فتمتلكها ويحسن إليك ويكثرك أكثر من آبائك* يختن الرب إلهك قلبك وقلب نسلك لكي تحب الرب إلهك من كل قلبك"، والخطورة في هذا النص، أنه هو ذاته النص الذي يعتمد عليه الصهاينة في إثبات ما يسمونه "حقهم" في الأراضي الفلسطينية.

 

رد فعل ضعيف:

 

جاءت ردود الفعل على اكتشاف هذا الأمر ضعيفة من قبل التيارات الإسلامية كافة، حتى التيارات السلفية منها، ورغم أن الجماعات والتيارات الإسلامية كانت قد هاجمت الفريق أحمد شفيق عندما قال ما قال، إلا أنها صمتت عندما اكتشفوا الأمر، فجماعة الإخوان المسلمين وحزبها، لم يعلقا على الأمر ولم يصدرا أي بيان على هذا الموضوع، كما أن حزب النور السلفي لم يعلن موقفه.

 

لكن الشيخ ياسر برهامي أفتى بعدم جواز تدريس ما يخالف الشريعة الإسلامية أو عقائد المسلمين، وشدد على أنه "لا يجوز أن يكون من بين ما يدرس ذِكْر ما جاء في الإنجيل من تحريم للطلاق وتعدد الزوجات، واعتبار هذا من حقوق المرأة، وهو الأمر الذي  يخالف الكتاب والسنة وإجماع العلماء"، وقال "وما في أيديهم من الكتب يجوز النقل عنها إذا كان موافقًا للكتاب والسنة؛ لأن الله قال: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) (المائدة:48)، لكن لابد من بيان العقيدة الإسلامية في هذه الكتب".

 

كما طالب الشيخ مصطفى العدوي وزيرَ التعليم بأن يتقي الله ولا يلوث عقيدة الطلاب بمثل هذه القاذورات، مشيرًا إلى أنه ما كان يتوقع أن يجد في ظل حكومة الرئيس محمد مرسي، مثل هذه القاذورات، بل كان يتوقع أن تنظف الكتب منها، فإذا بقاذورات جديدة، يتعلمها الأبناء والبنات، مؤكدًا أن ما يسمونه المواطنة تقضي على الولاء والبراء في الإسلام، مشيرًا إلى أن النبي الكريم –صلى الله عليه وسلم- نهى عمر –رضي الله عنه- عن القراءة في التوراة قائلًا: "لقد جئتكم بها بيضاء نقية"، وقال ابن عباس: "يا مشعر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب، وعندكم كتاب الله أحدث الأنباء بالله تقرؤونه محضًا لم يشب".

 

كما رفض نشطاء إسلاميون عدة؛ هذا الأمر، على رأسهم المهتمون بمواجهة النشاط التنصري، فقد حذر المهندس خالد حربي مدير المرصد الإسلامي لمقاومة التنصير من خطورة وجود هذه النصوص في المناهج الدراسية، وأكد أنها خيانة لله وللرسول، مضيفًا في بيان وجهه للرئيس مرسي أن الله تعالى قال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ".

 

وأكد حربي أن وزارة التربية والتعليم تقوم بخطوات استفزازية، بهدف إرضاء المتطرفين الأقباط الذي طالبوا بهذا منذ سنوات، وأن هذه النصوص تعد جريمة في حق الأمة "وسوف نذهب للقضاء منعًا لهذه الجريمة"، محذرًا من أن الملف الطائفي بدأ يتخذ منحى مشابهًا لما كان عليه في نظام مبارك.

 

خطورة الأمر:

 

إن وجود نصوص مما يسمى (الكتاب المقدس) في الكتب الدراسية، يشكل خطورة بالغة على الطلاب، لأنهم يدرسون ما هو موجود في كتبهم على أنه حقيقة مسلم بها، فالكتب الدراسية لا تعطي الطالب معلومات مغلوطة غير صحيحة، بل يدرس ما فيها على أنه صحيح تمامًا، حيث أن المناهج الدراسية لا تشير البتة إلى عقيدة المسلمين في ما يسمى بـ(الكتاب المقدس) أنه كتاب محرف، طاله بالتحريف بالزيادة والنقص والتبديل، وفي ظل الاستقواء العلماني المسيحي والحرب الإعلامية الشرسة على كل إسلامي، سيكون من الصعب على أي معلم أن يصرح بذلك للطلاب، حيث قد يتهم بأنه يزدري الأديان أو ما شابه، وبالتالي فإن طلاب المدارس قد يقتنعون –أو غالبًا-  ببعض هذه النصوص، خصوصًا إذا وافق ذلك هوى لدى بعضهم، مثل موضوع تعدد الزوجات، حيث يوافق غالبًا هوى لدى النساء اللاتي يكرهن بطبعهن التعدد.

 

ووجود هذه النصوص، يجعل الكثير من الطلاب، بدافع من الفضول وحب المعرفة، يتوجهون إلى البحث عن هذا الكتاب الذي يدرسون بعض نصوصه، خصوصًا أن النصوص التي وضعت، تبدو في ظاهرها نصوصًا حسنة تدعو إلى قيم طيبة محمودة، وهو ما يجعلهم يطلعون على ما فيه من كفر وفجور، وتعاليم وأحكام تخالف بالكلية ما جاء به ديننا الإسلامي الحنيف، ومن المعلوم أنه لا يجوز لعامة الناس أن يطلعوا على مثل هذه الكتب، كما أنه لا يجوز لطلاب العلم الشرعي أن يطلعوا عليها قبل أن يتحصنوا بالعلم الشرعي اللازم.

 

كما يمكن أن يفتح وجود هذه النصوص الباب واسعًا أمام الكثير من المناقشات الدينية بين الطلاب في هذه السن الحرجة، وهو ما قد يثير الكثير من الشبهات أمام الطلاب المسلمين، خصوصًا أن الكنيسة تعتني بأبنائها، وتدربهم على كيفية الحوار مع الطلاب المسلمين اعتمادًا على جهلهم، وقد عايشنا تجارب كثيرة مثل هذه خلال سنوات دراستنا، حيث يثير الطلاب المسيحيون هذه النقاشات والشبهات مع من يجدون منه ابتعادًا عن الالتزام بتعاليم الإسلام، أما إن كان ممن لديه بعض العلم، فإنهم يمتنعون عن الحديث معه.

 

توصيات لمواجهة الكارثة:

 

إن خطورة وجود النصوص الإنجيلية والتوراتية في المناهج الدراسية، توجب على كافة المسلمين، والمعنيين بالدرجة الأولى من العلماء والدعاة والجماعات والهيئات الإسلامية، رفض هذا الأمر بشكل قاطع لا جدال فيه، ومن المقترحات لمواجهة الأمر ما يلي:

 

1.          استفتاء الهيئات الدينية الرسمية، في تدريس الطلاب نصوصًا تخالف عقيدتهم، ولا يمكن لهذا المؤسسات أن تفتي بجواز ذلك، وستفتي بالتحريم حتمًا، ويتم نشر فتاويها وتوزيعها على كافة المدارس ونشرها عبر خطباء المساجد، لمنع الطلاب والمعلمين من تدريس ودراسة هذه النصوص.

 

2.          رفع دعاوى قضائية كثيرة بشكل عاجل، من قبل أولياء الأمور، مستندين إلى الضرر المتوقع حدوثه بالنسبة لأبنائهم وبناتهم من دراسة هذه النصوص، وتأثيرها على معتقداتهم الدينية، وقناعاتهم الفكرية، وتبيان خطورتها على الأمن القومي المصري.

 

3.          الحشد السياسي والمطالبة بإقالة وزير التربية والتعليم وكافة المسؤولين عن هذه المناهج ومحاسبتهم، وهذا يتطلب تكاتف من كل القوى السياسية الإسلامية، ودعم من كافة العلماء والشيوخ.

 

4.          على العلماء الشرفاء في الأزهر الضغط على شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، لإعلان استنكارهم ورفضهم القاطع لتدريس هذه النصوص للطلاب.

 

5.          يجب على الكتاب والصحفيين والمفكرين والنشطاء المسلمين، أن يشنوا حملة إعلامية ضخمة عبر كافة الوسائل الإعلامية التي يمتلكونها، للتصدي لتلك الجريمة، ومنع الدولة من تقديم التنازلات للمتطرفين، وكشف الحقائق أمام الشعب المصري، حتى يدرك خطورة الأمر.

 

6.          كما يجب ممارسة الضغوط على جماعة الإخوان المسلمين، لتقوم بدورها بالضغط على الرئيس محمد مرسي بالتدخل لإنهاء هذه الجريمة، وتحميله المسؤولية الكاملة أمام المولى عز وجل.

 

7.          العمل على إيصال وتأكيد موقف الإسلام من التوراة والإنجيل الموجودين بين يدي النصارى اليوم، ويتم ذلك عبر القنوات الفضائية، وفي المساجد وخطب الجمعة، ودعوة المعلمين لتأكيد ذلك في حصص التربية الدينية في المدارس، فقد بات ذلك أمرًا ضروريًا لا يمكن التغاضي عنه بعد اليوم.

 

إن الكنيسة المصرية لم تكن تتوقع أن يأتي اليوم الذي توضع فيه نصوص من كتابها في المناهج الدراسية للمسلمين، وما لم يكن رد الفعل قويًا وسريعًا وعلى مستوى الحدث، فستتمادى في مطالبها وستضغط على الحكومة المصرية لتقديم الكثير والكثير من التنازلات، وبالطبع فإن الحكومة التي سمحت بمثل هذه الجريمة، والتي تعد معصية كبيرة وذنبًا عظيمًا، لن تمانع في تقديم تنازلات جديدة لهؤلاء.

 



--
نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فإن ابتغينا العزة فى غيره أذلنا الله
مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق