-->

تدمير العراق: أزمة الحويجة وأبعادها الداخلية والإقليمية

تدمير العراق: أزمة الحويجة وأبعادها الداخلية والإقليمية

 

مجدي داود

https://www.facebook.com/magdy.dawoud1 


في الثالث والعشرين من أبريل المنقضي، قامت قوات الحكومة العراقية التي يرأسها نوري المالكي الذي ينتمي للطائفة الشيعية، باقتحام ساحة اعتصام "الحويجة" في مدينة كركوك، وقتلت العشرات من المعتصمين السلميين في تصعيد خطير للأحداث، ما أدى إلى اندلاع موجة من الغضب في صفوف المعتصمين السنة، وأبناء العشائر العراقية الذين فقدوا إخوانهم وأهلهم في ساحات الاعتصام، وبدأت بعض عمليات الانتقام والثأر من قوات المالكي في عدد من المدن والمناطق في مختلف المناطق بالعراق، ثم دخلت على خط الأزمة قوات البشمركة الكردية، التي صدت بعض الهجمات على المعتصمين السنة.

 

هذا الهجوم الذي تعرض له المعتصمون يأتي بعد نحو أربعة أشهر من اعتصام أهل السنة في الساحات، للمطالبة بوقف اضطهاد الحكومة لأهل السنة ووقف العمل بما يسمى "قانون الإرهاب"، وإطلاق سراح المعتقلين من أهل السنة، وتبييض كافة السجون والمعتقلات من الحرائر العراقيات، وكذلك رحيل حكومة نوري المالكي، التي يتهمونها بموالاة الطائفة الشيعية على حساب بقية مكونات الشعب العراقي.

 

وقد ساقت حكومة المالكي مبررات واهية لهذا الاقتحام المفاجئ الذي قامت به، لا يمكن اعتبارها بحال سببًا مقنعًا لتلك العملية، كما أنها لم تستطع إثبات تلك التهم التي ادعتها في بياناتها المتلاحقة، ولم تكن حكومة المالكي لتقدم على افتعال معركة كبيرة مع أهل السنة، وتوتر الأوضاع في كافة أنحاء العراق، خصوصًا في ذلك الوقت الحرج، من أجل القبض على عدد من المطلوبين مهما كان خطرهم، فلماذا افتعلت حكومة المالكي هذه المعركة؟!.

 

للإجابة على هذا السؤال، علينا أن نسرد بعض التطورات خلال الفترة الأخيرة، وعلى رأسها التطورات الإقليمية، ونوجزها فيما يلي:

 

1.     على الساحة السورية - ميدانيًا: تتقدم المعارضة السورية على الأرض بشكل كبير نسبيًا، مقارنة بما كانت عليه الأوضاع سابقًا، وتكسب أرضًا جديدة يومًا بعد يوم، وتوقع المزيد من القتلى في صفوف قوات بشار الأسد، وتحصل على المزيد من الأسلحة من غنائم المعارك، وذلك على الرغم من الدعم العسكري المعلن والخفي، من النظام الإيراني وحزب الله الشيعي، الذي أعلن بوضوح دخوله على خط المعركة، بعد أشهر من الإنكار.

 

2.     على الساحة السورية – سياسيًا: لا شك أن الانتصارات المتتالية التي تحققها المعارضة، تدفع الكثير من الدول الغربية لمحاولة جني ثمار تلك الانتصارات، واستمالة بعض الفصائل المقاتلة، عبر تقديم بعض الدعم المالي وأحيانًا العسكري الذي قد لا يؤثر كثيرًا في سير المعركة، لكنهم يشترون به ولاء تلك الفصائل، لكي يكون لهم قدم في سوريا المستقبل، وهذا من شأنه أن يسرع في إسقاط نظام بشار الأسد بعض الشيء، في مقابل فشل أي صيغة للحل السياسي، يمكن أن تبقي بشار الأسد أو أيًا من رموز نظامه في سدة الحكم.

 

3.     على الساحة اللبنانية: لم يعد الوضع في لبنان ساكنًا، ولم يعد حزب الله هو اللاعب الوحيد على تلك الساحة، بل ظهر هناك لاعبون جدد، يخطون طريقهم بشكل سريع، خاصة بعد ظهور الشيخ أحمد الأسير القيادي السني، الذي أعلن تحديه الواضح لحزب الله، وشكل كتائب مقاومة وقادها بنفسه مع ابنه إلى الأراضي السورية لقتال قوات الأسد وعناصر حزب الله التي تقاتل في صفوف الأسد، وهذا المتغير الجديد على الساحة اللبنانية، بالإضافة إلى استقالة حكومة نجيب ميقاتي، والتشاور حول تشكيل حكومة جديدة، يثير الكثير من المخاوف لدى الهلال الشيعي، حول قدرة الحزب على الاستمرار في أسر القرار اللبناني، ورهنه، وتوجيهه إلى حيث تريد إيران.

 

هذه المتغيرات الثلاثة، تعني أن الهلال الشيعي بات مهددًا بقوة، فنظام الأسد شارف على السقوط، ومهما تأخر ذلك السقوط فهو آت لا محالة، ولكنه سيكون بأية حال في غير صالح مكونات الهلال الشيعي، وسيكون ذا تأثير سلبي عليه، إذ أن سقوط نظام الأسد يعني كسر هذا الهلال، وفقدان حزب الله التواصل الجغرافي مع كل من إيران والعراق، في الوقت الذي صار فيه الحزب مهددًا بالفعل داخل لبنان، ويتوقع الكثير من الخبراء أن ينهار الحزب فور سقوط نظام الأسد.

 

4.     على الساحة التركية: إعلان زعيم حزب العمال الكردستاني مبادرة لإنهاء النزاع بين الدولة التركية، والحزب المتمرد منذ سنوات طويلة، تبدأ أولى مراحلها هذا الشهر "5 مايو 2013" بانسحاب مقاتلي الحزب بشكل نهائي من الأراضي التركية، وإلقاء السلاح، ووقف إطلاق النار، وهو ما يعني انتهاء التهديد الذي كان يمثله الحزب بالنسبة للدولة التركية، وهو التهديد الذي كان يراهن عليه نظام الأسد في حال تصاعدت الأوضاع ضده، بحيث يلجم أي تحرك تركي أو دولي بتهديد الأمن القومي التركي، أما وقد زال ذلك التهديد، فلم يعد بيد نظام الأسد أوراق كثيرة يلعب بها الفترة المقبلة.

 

أما على الساحة العراقية المحلية، فهناك متغير جديد، هذا المتغير يتمثل في ثبات المعتصمين على مطالبهم، وعدم إخلاء ساحات الاعتصام، رغم مرور أربعة أشهر على بدء الاعتصام، وكذلك فشل محاولات جر المعتصمين للعنف من خلال الاستفزاز والقيام ببعض الأعمال التي يراد منها أن تقابل برد فعل من قبل المعتصمين، ولكن المعتصمين تعاملوا مع كل تلك الاستفزازات بحكمة وحنكة، وأنجحوا اعتصامهم السلمي، وهو ما جعل المالكي في وضع حرج وصعب.

 

وجاءت الانتخابات المحلية العراقية، لتزيد من تعقيد المشهد العراقي، إذ أن النتائج الأولية للانتخابات تشير لوجود فوارق واضحة عن نتائج 2009، فائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي يبدو أنه قد خسر عدة مقاعد، فيما حقق المجلس الإسلامي الأعلى الذي تحالف مع المؤتمر الوطني في كتلة المواطن زيادة تقارب الثلاثين مقعدًا، وهذا يزيد من مأزق نوري المالكي، الذي يسعى لتشكيل الحكومة التي من المقرر أن يتم تشكيلها عقب الانتخابات العامة التي ستجري في 2014.

 

في ظل هذه الظروف والمتغيرات، يسعى المالكي إلى إعادة خلط الأوراق وإرباك الساحة المحلية، ليحقق من ذلك ضمان بقائه على رأس السلطة في العراق، واستمرار تهميش المعتصمين وعدم الاستجابة لمطالبهم، وكذلك إرباك الساحة الإقليمية، ومحاولة دعم نظام الأسد، والحفاظ على بقاء واستمرارية الهلال الشيعي.

 

فقد جاء اقتحام ساحات الاعتصام، لدفع المعتصمين السنة إلى الرد بعنف والخروج عن حالة الانضباط التي رافقت فعاليات الاعتصام منذ يومها الأول، وهو ما يعني تصاعد العمليات القتالية بين قوات المالكي من ناحية والمعتصمين وحلفائهم من ناحية أخرى، ليتطور الأمر بعد ذلك إلى ما يشبه حربًا أهلية، يكون الفائز فيها هي القوى الشيعية التي تمتلك قوات نظامية مدربة تدريبًا على أعلى مستوى، ودعمًا ماليًا وسياسيًا وعسكريًا ضخمًا إلى أبعد الحدود، فالحرس الثوري الإيراني مستعد للتدخل في العراق متى طلب منه ذلك للحفاظ على السلطة الشيعية، كما أن الولايات المتحدة قد دربت الجيش العراقي وقوات الأمن وزودتهم بما يحتاجونه من سلاح وعتاد على مدار السنوات الماضية لمواجهة المجاهدين السنة.

 

واندلاع هذه الحرب الطائفية، سيعيد توحيد صفوف الطائفة الشيعية مرة أخرى خلف حكومة المالكي، لأنه لا يمكن للقوى الشيعية المخالفة للمالكي في بعض توجهاته أن تتحدى القرار والإرادة الإيرانية، وهو ما يعني خروج المالكي أيضًا من مأزق خلافه مع بعض هذه القوى، وضمان بقائه على رأس السلطة بعد الانتخابات العامة المقرر إجراؤها العام المقبل.

 

أما على الصعيد الإقليمي والأزمة السورية، فإن إشعال حرب أهلية في العراق، معناه إشعال الحرب الأهلية في المنطقة برمتها، والحلقة الثانية في هذه الحرب ستكون في سوريا، فهي إذن ضربة استباقية خشية من قيام بعض الدول الغربية بالتدخل العسكري في سوريا، ورسالة بأن التدخل يعني تفجير المنطقة بالكامل، وفي ذات الوقت، فإن حسم الصراع في العراق لصالح المالكي والطائفة الشيعية، سيكون له تأثير إيجابي على نظام الأسد وآخر سلبي على المعارضة، وسيعطي مزيدًا من الأمل للشيعة وأنصار الأسد في إمكانية حسم الصراع في سوريا، مع غل اليد الغربية عن أي تدخل عسكري، أو حتى مجرد التفكير بذلك، خشية من السقوط من في مستنقع عميق من الحروب الطائفية.

 

صحفي مصري.

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"


http://ar.qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=8393&Itemid=1317 



-- 
نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فإن ابتغينا العزة فى غيره أذلنا الله

مجدي داود
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة مجدي داود .

جديد قسم :

إرسال تعليق